للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ومنها): أنه استُدِلَّ به عَلَى أن المدعين، والمدعَى عليهم، إذا نَكَلوا عن اليمين، وجبت الدية فِي بيت المال، وسيأتي ما فيه قريبا، إن شاء الله تعالى.

(ومنها): أنه استدل به الحنفية عَلَى جواز سماع الدعوى فِي القتل، عَلَى غير معين؛ لان الأنصار ادعوا عَلَى اليهود، أنهم قتلوا صاحبهم، وسمع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- دعواهم. ورُدّ بأن الذي ذكره الأنصار أوّلا، ليس عَلَى صورة الدعوى بين الخصمين؛ لأن منْ شرطها إذا لم يحضر المدعى عليه، أن يتعذر حضوره.

سلمنا, ولكن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قد بين لهم أن الدعوى، إنما تكون عَلَى واحد؛ لقوله: "تقسمون عَلَى رجل منهم، فيدفعَ إليكم برمته"؟.

(ومنها): أنه استُدِلّ بقوله: "عَلَى رجل منهم"، عَلَى أن القسامة إنما تكون عَلَى رجل واحد، وهو قول أحمد، ومشهور قول مالك، وَقَالَ الجمهور: يشترط أن تكون عَلَى معين، سواء كَانَ واحدا، أو أكثر، واختلفوا هل يختص القتل بواحد، أو يقتل الكل؟، وسيأتي البحث فيه. وَقَالَ أشهب: لهم أن يحلفوا عَلَى جماعة، ويختاروا واحدا للقتل، ويُسجن الباقون عامًا، ويضربون مائة مائة، وهو قول لم يسبق إليه.

(ومنها): أن الحلف فِي القسامة لا يكون إلا مع الجزم بالقاتل، والطريق إلى ذلك المشاهدة، وإخبار منْ يوثق به، مع القرينة الدالة عَلَى ذلك.

(ومنها): أن منْ توجهت عليه اليمين، فنكل عنها, لا يقضى عليه، حَتَّى يُرَدَّ اليمين عَلَى الآخر، وهو المشهور عند الجمهور، وعند أحمد، والحنفية: يقضى عليه، دون رد اليمين. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم هل يُعمل بالقسامة، أم لا؟:

قَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: الْحَدِيث كله حجة واضحة للجمهور منْ السلف، والخلف عَلَى منْ أنكر العمل بالقسامة، وهم: سالم بن عبد الله، وأبو قلابة، ومسلم بن خالد، وقتادة، وابن عُليّة، وبعض المكيّين، فنفوا الحكم بها شرعًا فِي العمد، والخطأ. وَقَدْ رُوي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، والحكم بن عُتيبة. وَقَدْ رُوي عنهما العمل بها. وَقَدْ رُوي نفي العمل بها عن سليمان بن يسار، والصحيح عنه روايته المذكورة عنه هنا -يعني الْحَدِيث المذكور فِي الباب الماضي- حيث قَالَ، عن رجال منْ الأنصار: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقرّ القسامة عَلَى ما كانت عليه فِي الجاهليّة، وظاهر هَذَا: أنه يقول بها. انتهى "المفهم" ٥/ ١٨.

وَقَالَ القاضي عياض رحمه الله تعالى: هَذَا الْحَدِيث أصل منْ أصول الشرع، وقاعدة منْ قواعد الأحكام، وركن منْ أركان مصالح العباد، وبه أخذ كافة الأئمة، والسلف منْ