للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصحابة والتابعين، وعلماء الأمة، وفقهاء الأمصار، منْ الحجازيين، والشاميين، والكوفيين، وإن اختلفوا فِي صورة الأخذ به. وروي التوقف عن الأخذ به عن طائفة، فلم يَرَوا القسامة، ولا أثبتوا بها فِي الشرع حكما، وهذا مذهب الْحَكَم بن عتبة، وأبي قلابة، وسالم بن عبد الله، وسليمان بن يسار، وقتادة، ومسلم بن خالد، وإبراهيم ابن علية، وإليه ينحو البخاريّ، ورُوي عن عمر بن عبد العزيز باختلاف عنه.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: آخر كلام القاضي -كما قَالَ الحافظ- ينافي ما صَدَّر به كلامه، أن كافة الأئمة أخذوا بها، وَقَدْ نُقل أيضًا عن غير هؤلاء أيضًا.

قَالَ القاضي: واختلف قول مالك فِي مشروعية القسامة، فِي قتل الخطإ. قاله فِي "الفتح" ١٤/ ٢٢٦.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن جمهور أهل العلم قائلون بالعمل بالقسامة، وهو الحقّ؛ لظهور أدلّته. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): فِي اختلافهم فيمن يُبدأ فِي القسامة:

ذهب معظم القائلين بالقسامة إلى أنها تبدأ بالمدعين، ثم ترد إذا أبوا عَلَى المدعى عليهم، واحتجوا بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "البينة عَلَى المدعي، واليمين عَلَى المدعى عليه، إلا القسامة"، وبقول مالك: أجمعت الأئمة فِي القديم والحديث، عَلَى أن المدعين يبدأون فِي القسامة، ولأن جنبة المدعي إذا قريت (١) بشهادة أو شبهة، صارت اليمين له، وهاهنا الشبهة قوية، وقالوا: هذه سنة بحيالها، وأصل قائم برأسه؛ لحياة النَّاس، ورَدْع المعتدين، وخالفت الدعاوي فِي الأموال، فهي عَلَى ما ورد فيها، وكلٌّ أصلٌ، يتبع، ويستعمل، ولا تطرح سنة لسنة.

وأجابوا عن رواية سعيد بن عبيد -يعني المذكورة فِي الباب التالي- بقول أهل الْحَدِيث: إنه وَهَمٌ منْ روايه، أسقط منْ السباق تبرئة المدعين باليمين؛ لكونه لم يَذكُر فيه رد اليمين، واشتملت رواية يحيى بن سعيد عَلَى زيادة منْ ثقة حافظ، فوجب قبولها، وهي تقضي عَلَى منْ لم يعرفها.

وَقَالَ القرطبيّ: الْحَدِيث دليلٌ عَلَى أن القسامة يبدأ فيها المدّعون بالأيمان، وهو قول معظم القائلين بأن القسامة يُستوجب بها الدم، وَقَالَ مالك: الذي أجمعت عليه الأمة فِي القديم والحديث: أن المدّعين يبدؤون فِي القسامة.


(١) هكذا نسخة "الفتح"، ولعل الصواب "قويت" بالواو. فالله تعالى أعلم.