واحتُجَّ لمالك بقصة بقرة بني إسرائيل، قَالَ: ووجه الدلالة منها: أن الرجل حَيِي، فأخبر بقاتله، فاعتُمد عليه. وتُعُقِّب بخفاء الدلالة منها، وَقَدْ بالغ ابن حزم فِي رد ذلك. واحتجوا بأن القاتل يتطلب حالة غفلة النَّاس، فتَتَعذّر البينة، فلو لم يُعمَل بقول المضروب، لأدَّى ذلك إلى إهدار دمه، ولأنها حالة يُتَحَرَّى فيها اجتنابُ الكذب، ويُتَزَوَّد فيها منْ البر والتقوى، وهذا إنما يتأتَّى فِي حال المحتضر.
[الثانية]: أن يشهد منْ لا يكمل النصاب بشهادته، كالواحد، أو جماعة غير عدول، قَالَ بها المذكوران، ووافقهما الشافعيّ، ومن تبعه.
[الثالثة]: أن يشهد عدلان بالضرب، ثم يعيش بعده أياما، ثم يموت منه، منْ غير تخلل إفاقه، فَقَالَ المذكوران: تجب فيه القسامة، وَقَالَ الشافعيّ: بل يجب القصاص بتلك الشهادة.
[الرابعة]: أن يوجد مقتول، وعنده أو بالقرب منه منْ بيده آلة القتل، وعليه أثر الدم مثلاً, ولا يوجد غيره، فتشرع فيه القسامة عند مالك، والشافعي، ويلتحق به أن تتفرّق جماعة عن قتيل.
[الخامسة]: أن يقتتل طائفتان، فيوجد بينهما قتيل، ففيه القسامة عند الجمهور، وفي رواية عن مالك، تختص القسامة بالطائفة التي ليس هو منها، إلا إن كَانَ منْ غيرهما، فعلى الطائفتين.
[السادسة]: المقتول فِي مزاحمة النَّاس، قَالَ الشافعيّ: تجب بذلك القسامة، وتكون فيه الدية. وعند مالك: هو هَدَرٌ. وَقَالَ إسحاق، والثوريّ: ديته عَلَى بيت المال، ورُوي مثله عن عمر، وعليّ -رضي الله عنهم-. وَقَالَ الحسن، والزهريّ: ديته عَلَى منْ حضر.
[السابعة]: أن يوجد قتيل فِي محلة، أو قبيلة، فهذا يوجب القسامة عند الثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وأتباعهم، ولا يوجب القسامة عندهم سوى هذه الصورة، وشرطها عندهم، إلا الحنفية أن يوجد بالقتيل أثر، وَقَالَ داود: لا تجري القسامة، إلا فِي العمد عَلَى أهل مدينة، أو قرية كبيرة، وهم أعداء للمقتول. وذهب الجمهور إلى أنه لا قسامة فيه، بل هو هَدَرٌ؛ لأنه قد يُقتَل، ويُلْقَى فِي المحلة؛ ليُتَّهَمُوا، وبه قَالَ الشافعيّ، وهو رواية عن أحمد، إلا أن يكون فِي مثل القصة التي فِي حديث الباب، فيتجه فيها القسامة؛ لوجود العداوة، ولم تر الحنفية، ومن وافقهم لوثا يوجب القسامة، إلا هذه الصورة. وحجة الجمهور القياس عَلَى هذه الواقعة، والجامع أن يَقتَرِن بالدعوى شيء يدل عَلَى صدق المدعِي، فيقسم معه، ويستحق.