وَقَالَ ابن قدامة: ذهب الحنفية إلى أن القتيل، إذا وُجد فِي محل، فادَّعَى وليه عَلَى خمسين نفسا منْ موضع قتله، فحلفوا خمسين يمينا ما قتلناه، ولا علمنا له قاتلا، فان لم يجد خمسين، كرر الأيمان عَلَى منْ وجد، وتجب الدية عَلَى بقية أهل الخطة، ومن لم يحلف منْ المدعَى عليهم حُبس حَتَّى يَحلِف، أو يُقرَّ، واستدلوا بأثر عمر: أنه أحلف خمسين نفسا خمسين يمينا، وقضى بالدية عليهم. وتعقب باحتمال أن يكونوا أقروا بالخطإ، وأنكروا العمد، وبأن الحنفية لا يعملون بخبر الواحد، إذا خالف الأصول، ولو كَانَ مرفوعا، فكيف احتجوا بما خالف الأصول، بخبر واحد موقوف، وأوجبوا اليمين عَلَى غير المدعَى عليه. أفاده فِي "الفتح" ١٤/ ٢٢٧ - ٢٢٨، و"المفهم" ٥/ ٦ - ٨. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي وجوب القود بالقسامة:
قَالَ القرطبّيّ رحمه الله تعالى: ما حاصله: ذهب معظم الحجازيين إلى أن القسامة، يُستَحقّ بها الدم، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فتستحقّون دم صاحبكم"، وفي رواية:"فيُدفع إليكم برُمَّته"، وهو قولى الزهريّ، وربيعة، والليث، ومالك، وأصحابه، والأوزاعيّ، وأبي ثور، وأحمد، وإسحاق، وداود، وأحد قولي الشافعيّ، ورُوي ذلك عن ابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز رحمهم الله تعالى. قَالَ أبو الزناد: قتلنا بالقسامة، وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متوافرون، إني لأراهم ألف رجل، فما اختلف منهم فِي ذلك اثنان.
وذهب الكوفيّون، وإسحاق، والشافعيّ فِي قوله الآخر إلى أنه إنما تجب به الدية، وهو قول الحسن البصريّ، والحسن بن حيّ، والبَتِّيَ، والنخعيّ، والشعبيّ. وروي عن أبي بكر، وعمر، وابن عبّاس، ومعاوية -رضي الله عنهم-، قَالَ القرطبيّ: والحديث المتقدّم نصٌّ فِي موضع الخلاف، فلا ينبغي العدول عنه. انتهى "المفهم" ٥/ ١٢.
وَقَالَ فِي "الفتح": ما حاصله: استدل بحديث الباب عَلَى ثبوت القود فِي القسامة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فتستحقون قاتلكم"، وفي الرواية الأخرى:"دم صاحبكم"، قَالَ ابن دقيق العيد: الاستدلال بالرواية التي فيها: "فيُدفَع بِرُمَّته"، أقوى منْ الاستدلال بقوله:"دم صاحبكم"؛ لان قوله:"يُدفَع برُمَّته" لفظ مستعمل فِي دفع القاتل للأولياء للقتل، ولو أن الواجب الدية لَبَعُد استعمال هَذَا اللفظ، وهو فِي استعماله فِي تسليم القاتل أظهر، والاستدلال بقوله:"دم صاحبكم"، أظهر منْ الاستدلال بقوله:"قاتلكم"، أو "صاحبكم"؛ لأن هَذَا اللفظ لابد فيه منْ إضمار، فيحتمل أن يُضمَر ديةَ صاحبكم، احتمالا ظاهرا، وأما بعد التصريح بالدم، فيحتاج إلى تأويل اللفظ بإضمار بدل دم صاحبكم، والإضمار عَلَى خلاف الأصل، ولو احتيج إلى إضمار، لكان حمله عَلَى ما