فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، والله الذي لا إله إلا هو، فقد سمعت هَذَا منْ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟، قَالَ: إي والله الذي لا إله إلا هو، حَتَّى استحلفه ثلاثا، وهو يحلف.
والمخدج المذكور: هو ذو الثُّدَيّة، وكان فِي يده مثل ثدي المرأة، عَلَى رأسه حلمة، مثل حلمة الثدي، عليه شعرات، مثل سبالة السِّنَّور. انتهى كلام الشوكانيّ.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: دعوى علم الجفر لعليّ -رضي الله عنه-، كما هو ظاهر سياق الشوكانيّ، فيه نظر لا يخفى، فإنه مما لا دليل عليه، وكذا قوله: ومما يدلّ عَلَى اختصاص عليّ -رضي الله عنه- الخ فيه نظر، فإن هَذَا قد وُجد لغيره أيضًا، فقد خصّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حُذيفة بكثير منْ الأسرار، كالعلم بأسماء المنافقين، وغيره، فقد كَانَ -رضي الله عنه- أعلم بهذا منْ عليّ -رضي الله عنه-، ومن غيره، منْ الصحابة، كما لا يخفى ذلك عَلَى منْ يطالع كتب السنّة المطهّرة. والله تعالى أعلم.
(قَالَ) عليّ -رضي الله عنه- (لَا) أي لم يعهد إليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا لم يعهده إلى عامّة النَّاس. وفي حديث أبي جُحيفة المذكور:"لا والذي فَلَقَ الحبّة، وبرَأَ النسَمَة"(إِلَّا مَا كَانَ فِي كِتَابِي هَذَا) قَالَ السنديّ رحمه الله تعالى: لا يخفى أن ما فِي كتابه ما كَانَ منْ الأمور المخصوصة به، فالاستثناء إما بملاحظة الكتاب، فكأنه -صلى الله عليه وسلم- خصّ عليّا بأن أمره أن يكتُب دون غيره، أو لبيان نفي الاختصاص بأبلغ وجه: أي لو كَانَ شيء خصّنا به لكان ما فِي كتابي، لكن الذي فِي كتابي ليس مما خصّنا به، فما خصّنا بشيء، والله تعالى أعلم. انتهى "شرح السنديّ" ٧/ ١٩.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الاحتمال الثاني هو الأظهر، فمراد عليّ -رضي الله عنه- بهذا الكلام نفي كونه -صلى الله عليه وسلم- خصّه، وأهل بيته بشيء منْ الأسرار، كما تزعمه الشيعة، فأتى لإفادة نفي هَذَا الزعم الباطل بهذه العبارة عَلَى وجه المبالغة. والله تعالى أعلم.
وفي حديث أبي جحيفة -رضي الله عنه- عند البخاريّ:"إلا كتاب الله، أو فهمٌ أُعطيه رجلٌ مسلم، أو ما فِي هذه الصحيفة".
قَالَ فِي "الفتح" ١٤/ ٢٧٦: قوله: "إلا كتاب الله" بالرفع، وَقَالَ ابن المنيّر: فيه دليلٌ عَلَى أنه كَانَ عنده أشياء مكتوبة منْ الفقه المستنبط منْ كتاب الله، وهي المرادة بقوله:"أو فهم أُعطيه رجلٌ"؛ لأنه ذكر بالرفع، فلو كَانَ الاستثناء منْ غير الجنس لكان منصوبًا. قَالَ الحافظ: كذا قَالَ، والظاهر أن الاستثناء فيه منقطع، والمراد بذكر الفهم إثبات إمكان الزيادة عَلَى ما فِي الكتاب. وَقَدْ رواه البخاريّ فِي "الديات" بلفظ: "ما عندنا إلا فِي القرآن، إلا فهمًا يُعطى رجلٌ منْ الكتاب"، فالاستثناء الأول مفرّغٌ، والثاني