للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بأسرار، لم يُطلعها غيره، وغير أهل بيته، فلا أقوى لدحض آرائهم الباطلة، وضلالاتهم الكاسدة منْ إبطاله هو، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: ٣٢]. (ومنها): أن منْ واجب المسلمين التعاون، والتعاضد، وكونهم يدًا واحدةً عَلَى أعدائهم. (ومنها): أن ذمّة المسلمين واحدة، يستحقّها الأدنى، كما يستحقّها الأعلى، فأي مسلم سعى فِي أمان كافر نفذ أمانه، وحرم نقضه، وسيأتي تفاصيل أقوال العلماء فِي ذلك قريبًا، إن شاء الله تعالى. (ومنها): عدم ثبوت القصاص بين المسلم والكافر، ولا بين المعاهد والحربيّ، وفيه خلاف بين العلماء، سيأتي تحقيقه قريبًا أيضًا، إن شاء الله تعالى. (ومنها): أن منْ أجرم، فجرمه عَلَى نفسه، ولا يتعداه، {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: ١٨]. (ومنها): تحريم إيواء المجرم، وأن منْ آواه، فعليه لعنة الله تعالى، والملائكة، والناس أجمعين. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي ثبوت القصاص بين الحرّ والعبد:

ذهبت طائفة إلى أن الحر يُقتل بالعبد، رُوي ذلك عن سعيد بن المسيّب، والنخعيّ، وقتادة، والثوريّ، أصحاب الرأي، وهو مذهب المصنّف رحمه الله تعالى، كما هو ظاهر ترجمته؛ لعموم الآيات، والأخبار، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- فِي حديث الباب: "والمؤمنون تتكافؤ دماؤهم"، ولأنه آدميّ معصوم، فأشبه الحرّ.

وذهبت طائفة إلى أنه لا يقتل حرّ بعبد، وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعليّ، وزيد، وابن الزبير -رضي الله عنهم-، وبه قَالَ الحسن، وعطاء، وعمر بن بن عبد العزيز، وعكرمة، وعمرو بن دينار، ومالكٌ، والشافعيّ، وإسحاق، وأحمد، وأبو ثور، وروي عن الشعبيّ؛ لما رواه أحمد فِي "مسنده" عن عليّ -رضي الله عنه- أنه قَالَ: "منْ السنّة أن لا يُقتل حرّ بعبد". وعن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا يقتل حرّ بعبد". رواه الدارقطنيّ. ولأنه لا يُقطع طرَفه بطرَفه مع التساوي فِي السلامة، فلا يُقتل به، كالأب مع ابنه، ولأن العبد منقوص بالرقّ، فلم يُقتل به الحرّ، كالمكاتب إذا ملك ما يؤدّي، والعمومات مخصوصات بهذا، فنقيس عليه. أفاده فِي "المغني" ١١/ ٤٧٣.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذهب إليه الأولون منْ ثبوت القصاص بين الحرّ والعبد هو الأرجح عندي؛ لقوة دليله، وأما ما احتجّ به هؤلاء، فلا يصلح للاحتجاج به؛ لضعفه، فإن حديث ابن عبّاس -رضي الله عنهما- فِي إسناده جويبر بن سعيد أحد المتروكين، والراوي عنه عثمان البرّيّ ضعيف معتزليّ، أحاديثه مناكير، وحديث عليّ -رضي الله عنه- فِي إسناده جابر الجعفيّ ضعيف جدًّا. فثبت بهذا أن حججهم غير مقبولة. فتبصّر. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.