(المسألة الخامسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي أمان العبد، والمرأة، والصبيّ، والمجنون:
ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه إذا أعطى أحد منْ المسلمين الأمان لأهل الحرب صحّ، فلا يجوز التعرّض لأنفسهم، وأموالهم، وأن ذلك يصح منْ كل مسلم، بالغ، عاقل، مختار، ذكرا كَانَ أو أنثى، حرا كَانَ أو عبدا، وبهذا قَالَ الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وابن القاسم، ورُوي ذلك عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.
وذهب أبو حنيفة، وأبو يوسف، إلى أنه لا يصح أمان العبد، إلا أن يكون مأذونا له فِي القتال؛ لأنه لا يجب عليه الجهاد، فلا يصح أمانه كالصبي، ولأنه مجلوب منْ دار الكفر، فلا يؤمن أن ينظر لهم تقديم مصلحتهم.
واحتجّ الأولون بحديث الباب، فإنه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف، ولا عدل"، رواه البخاريّ، ورَوَى فضيل بن يزيد الرقاشي، قَالَ: جَهَّز عمر بن الخطاب جيشا، فكنت فيه، فحضرنا موضعا، فرأينا أنا سنفتحها اليوم، وجعلنا نقبل، ونروح، فبقي عبد منا، فراطنهم وراطنوه، فكتب لهم الأمان فِي صحيفة، وشَدَّها عَلَى سهم، ورمى بها إليهم، فأخذوها، وخرجوا، فكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب، فَقَالَ: العبد المسلم رجل منْ المسلمين، ذمته ذمتهم، رواه سعيد بن منصور، فِي "سننه"، وعبد الرزاق فِي "مصنّفه"، وابن أبي شيبة فِي "مصنّفه".
ولأنه مسلم مكلف، فصح أمانه، كالحر، وما ذكروه منْ التهمة يبطل بما إذا أُذن له فِي القتال، فإنه يصح أمانه، وبالمرأة فإنها أمانها يصح فِي قولهم جميعا، قالت عائشة: إن كانت المرأة لتجير عَلَى المسلمين، فيجوز. وعن أم هانىء، أنها قالت: يا رسول الله، إني أجرت أحمائي، وأغلقت عليهم، وإن ابن أمي أراد قتلهم، فَقَالَ لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قد أجرنا منْ أجرت يا أم هانىء، إنما يجير عَلَى المسلمين أدناهم"، رواهما سعيد، وأجارت زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أبا العاص بن الربيع، فأمضاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وأما الصبي المميز، فَقَالَ الموفّق فِي مذهب أحمد فيه روايتان:
[إحداهما]: لا يصح أمانه، وهو قول أبي حنيفة، والشافعي؛ لأنه غير مكلف، ولا يلزمه بقوله حكم، فلا يلزم غيره، كالمجنون.
[والثانية]: يصح أمانه، وهو قول مالك، وقيل: يصح أمانه رواية واحدة، وحُمِل