(إِلَى ثَمَانَمِائَةِ دِينَارٍ) يعني أن قيمتها فِي زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت تختلف منْ وقت لآخر، إلى أن بلغ تفاوت قيمها منْ أربعمائة دينار، إلى ثمانمائة (أَوْ عِدْلَهَا مِنَ الْوَرِقِ) أي ما يُعادلها منْ الفضة. قَالَ الطيبيّ: وهذا يدلّ عَلَى أن الأصل فِي الدية هو الإبل، فإن أعوزت وجبت قيمتها، بالغةً ما بلغت، كما قاله الشافعيّ فِي الجديد، وأوَّلَ ما رُوي منْ تقدير دراهم ودنانير بأنه تقويم، وتعديل باعتبار ما كَانَ فِي ذلك الزمن، لا مطلقًا. انتهى "المرقاة شرح المشكاة" ٧/ ٦٥.
(قَالَ: وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّ مَنْ كَانَ عَقْلُهُ فِي الْبَقَرِ) الظاهر أن خبر "أنّ" محذوفٌ: أي يؤدّي منها، يعني أن منْ ليست له إبلٌ، وكانت له بقرٌ، فإنه يؤدّي العقل منْ بقره، وقوله:(عَلَى أَهْلِ البَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ) جملة مستأنفة، أتى بها لبيان مقدار البقر التي تدفع فِي العقل، ثم الرواية بنصب "مائتي بقرة"، والظاهر أنه مفعول لفعل مقدر مع "أن"، تقديره: أن يعطوا مائتي بقرة، وهو فِي تأويل المصدر مبتدأ، خبره الجار والمجرور قبله: تقديره: إعطاء مائتي بقرة كائن عَلَى أهل البقر. والله تعالى أعلم (وَمَنْ كَانَ عَقْلُهُ فِي الشَّاةِ) هكذا النسخ عند المصنّف "فِي الشاة" بالهاء فِي آخره، والظاهر أنه تصحيف منْ "الشاء" بهمز آخر، كما هو فِي "سنن أبي داود"؛ لأن "الشاة" بالهاء للواحدة، وأما الجنس فهو الشاء بالهمز، وهو المناسب هنا، فتنبّه، والله تعالى أعلم (أَلْفَيْ شَاةٍ) بالنصب أيضاً، مفعولٌ لفعل مقدّر: أي أعطى ألفي شاة، ويكون المقدّر جوابًا لـ"منْ"، إن كانت شرطيّة، أو خبرًا لها، إن كانت موصولة.
وحاصل المعنى: أنه -صلى الله عليه وسلم- وسّع عَلَى القاتل، وأوليائه، حيث لم يُلزمهم بدفع العقل منْ الإبل فقط، بل جوز العقل فِي البقر، والشاء، فمن لم يكن له إبل، وكانت له بقر، أدّى العقل منها، وهي مائتا بقرة، ومن لم يكن له إبلٌ، وكانت له شاء، أدّى العقل منها، ومقدارها ألفا شاة. والله تعالى أعلم.
(وَقَضَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّ الْعَقْلَ) أي الدية (مِيرَاثٌ) أي موروث (بَيْنَ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ) أي المقتول (عَلَى فَرَائِضِهِم) أي عَلَى مقدار أنصبائهم التي قدّرها، وحدّدها لهم الله عز وجل فِي كتابه الكريم (فَمَا فَضَلَ) بفتح الضاد المعجمة، منْ باب قتل: أي بقي، وفي لغة فَضِلَ يفضَلُ، منْ باب تَعِب، وفَضِلَ بالكسر يَفْضُلُ بالضمّ، لغةٌ، ليست بالأصل، ولكنها منْ تداخل اللغتين. قاله فِي "المصباح". والمعنى: أن ما بقي بعد أنصباء أهل الفروض منْ المال (فَـ) هو (لِلْعَصَبَةِ) أي للقرابة الذين ليست لهم فريضة مسمّاة، قَالَ فِي "اللسان" ١/ ٦٠٥ - : كلّ منْ لم تكن له فريضة مسمّاة، فهو عصبة، إن بقي شيء بعد الفرائض أخذ. قَالَ الأزهريّ: عصبة الرجل أولياؤه الذكور، منْ ورثته، سُمّوا عصبةً؛