لأنهم عَصَبُوا بنسبه: أي استكفّوا به، فالأب طَرَفٌ، والابن طرف، والعمّ جانبٌ، والأخ جانبٌ، والجمع العصبات، والعرب تُسمّي قرابات الرجل: أطرافه، ولَمّا أحاطت به هذه القرابات، وعَصَبَت بنسبه سُمُّوا عَصبَةً، وكلّ شيء استدار بشيء، فقد عصب به. انتهى.
وَقَالَ الفيّوميّ: العَصَبة: القرابة الذكور الذين يُدلون بالذكور، هَذَا معنى ما قاله أهل اللغة، وهو جمع عاصب، مثلُ كفَرَة، جمع كافر، وَقَدْ استعمل الفقهاء العَصَبَة فِي الواحد، إذا لم يكن غيره؛ لأنه قام مقام الجماعة فِي إحراز جميع المال، والشرعُ جعل الأنثى عَصبَةً فِي مسألة الإعتاق، وفي مسألةٍ، منْ المواريث، فقلنا بمقتضاه فِي مورد النصّ، وقلنا فِي غيره: لا تكون المرأة عَصبَةً، لا لغةً، وشرْعًا. انتهى. (وَقَضَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَنْ يَعْقِلَ) بفتح أوله، وكسر القاف، منْ باب ضرب: أي يدفع الدية (عَلَى الْمَرْأَةِ) الظاهر أن "عَلَى" بمعنى "عن"(عَصَبَتُهَا) فاعل "يعقل": والمعنى أن عصبة المرأة يتحمّلون عنها الدية الواجبة عليها بسبب جنايتها. وقوله:(مَنْ كَانُوا) أي عصبة كانوا، قريبين لها، أو بعيدين عنها (وَلَا يَرِثُونَ مِنْهُا شَيْئًا) أي لا يرث عصبة المرأة التي تحمّلوا عنها العقل منْ مالها شيئًا (إِلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِهَا) المراد بهم أصحاب الفروض.
وحاصل المعنى: أن المرأة إذا جنت بالقتل، فتحمّل عصبتها عقل جنايتها، فدفعوه إلى أولياء منْ قتلته، ثم ماتت القاتلة، فإن عصبتها لا يرثون شيئًا منْ مالها، إلا ما فضل عن أصحاب الفروض، كما كانوا يأخذونه قبل تحمّل الدية.
وإنما بينّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هَذَا؛ لأنه ربما يُتوهّم أن العصبة لَمّا تحمّلوا الدية عنها، أنهم الوارثون لمالها؛ لكون دفعوا عنها دية جنايتها، فبيّن -صلى الله عليه وسلم- أنهم لا يرثون بسبب هَذَا، وإنما الإرث لأصحاب الفروض، فإن بقي بعد فروضهم شيء أخذه العصبة، فهم كحالهم قبل تحمّل الدية، منْ غير فرق. والله تعالى أعلم.
ووقع فِي بعض النسخ بلفظ "ولا يرثون منه شيئا" بضمير المذكّر، والظاهر أن "منها" هو الصواب، وهو الذي وقع فِي النسخة الهنديّة، وذلك لأنه إذا كَانَ بضمير المذكّر يرجع إلى ما سبق إلى العقل الذي دفعوه، وهذا معنى باطل، وإنما المعنى الصحيح أن العصبة لا يرثون منْ مال المرأة التي أدّوا العقل عن جنايتها إذا ماتت بعد ذلك إلا ما فضل منْ ذوي الفروض، فتنبّه. والله تعالى أعلم.
(وَإِنْ قُتِلَتْ) بالبناء للمجهول: أي قُتلت المرأة خطأ، فوجب لذلك دية (فَعَقْلُهَا) أي ديتها التي وجبت للورثة بسبب قتلها (بَيْنَ وَرَثتِهَا) أي أصحاب الفروض عَلَى قدر ميراثهم، فإن فضل فلعصبتها (وَهُمْ) أي ورثتها (يَقْتُلُونَ قَاتِلَهَا) أي إذا كَانَ عمدًا،