للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

دية لهم، وإنما تحقن دماءهم بالأمان، فإذا قتل منْ له أمان منهم، فديته دية مجوسي؛ لأنها أقل الديات، فلا تنقص عنها، ولأنه كافر ذو عهد، لا تحل مناكحته فأشبه المجوسي.

قَالَ: ومن لم تبلغه الدعوة منْ الكفار، إن وجد لم يجز قتله، حَتَّى يُدعَى، فإن قُتل قبل الدعوة منْ غير أن يُعطَى أمانا، فلا ضمان فيه؛ لأنه لا عهد له، ولا إيمان فأشبه امرأة الحربي، وابنه الصغير، وإنما حرم قتله لتَبْلُغَهُ الدعوة، وهذا قول أبي حنيفة.

وَقَالَ أبو الخطاب: يُضمن بما يُضمن به أهل دينه، وهو مذهب الشافعيّ؛ لأنه محقون الدم، فأشبه منْ له أمان، والأول أولى، فإن هَذَا ينتقض بصبيان أهل الحرب، ومجانينهم، ولأنه كافر لا عهد له، فلم يضمن كالصبيان والمجانين، فأما إذا كَانَ له عهد، فله دية أهل دينه، فإن لم يعرف دينه، ففيه دية المجوسي؛ لأنه اليقين، وما زاد مشكوك فيه. انتهى كلام الموفق رحمه الله تعالى "المغني" ١٢/ ٥٥ - ٥٦.

وَقَالَ العلّامة الشوكانيّ رحمه الله تعالى بعد أن ذكر الخلاف فِي المسألة: ما حاصله: احتج منْ قَالَ: إن ديته ثلث دية المسلم بفعل عمر المذكور، منْ عدم رفع دية أهل الذمة، وأنها كانت فِي عصره أربعة آلاف درهم، ودية المسلم اثني عشر ألف درهم.

ويجاب عنه بأن فعل عمر ليس بحجة، عَلَى فرض عدم معارضته، لما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف وهو هنا معارض للثابت قولا وفعلا، وتمسكوا فِي جعل دية المجوسي ثلثي عشر دية المسلم بفعل عمر المذكور فِي الباب.

ويجاب عنه بما تقدم، ويمكن الاحتجاج لهم بحديث عقبة بن عامر الذي ذكرناه، فإنه موافق لفعل عمر؛ لأن ذلك المقدار هو ثلثا عشر الدية، إذ هي اثنا عشر ألف درهم، وعشرها اثنا عشر مائة، وثلثا عشرها ثمانمائة، ويجاب بأن إسناده ضعيف كما أسلفنا، فلا يقوم بمثله حجة، لا يقال: إن الرواية بلفظ: "قضى أن عقل أهل الكتابين الخ" مقيدة باليهود والنصارى، والرواية بلفظ: "عقل الكافر نصف دية المسلم" مطلقة، فيحمل المطلق عَلَى المقيد، ويكون المراد بالحديث دية اليهود والنصارى دون المجوس؛ لأنا نقول: لا نسلم صلاحية الرواية الأولى للتقييد، ولا للتخصيص؛ لأن ذلك منْ التنصيص عَلَى بعض أفراد المطلق، أو العام، وما كَانَ كذلك فلا يكون مقيدا لغيره، ولا مخصصا له، ويوضح ذلك أن غاية ما فِي قوله: "عقل أهل الكتابين" أن