للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رضي الله تعالى عنها بالذكر؛ لأنها أعز أهده عنده، ولأنه لم يبق منْ بناته حينئذ غيرها، فأراد المبالغة فِي إثبات إقامة الحد، عَلَى كل مكلف، وترك المحاباة فِي ذلك، ولأن اسم السارقة وافق اسمها عليها السلام، فناسب أن يضرب المثل بها.

وَقَالَ الحافظ وليّ الدين رحمه الله تعالى: قوله: "لو كانت فاطمة الخ" فيه مبالغة فِي النهي عن المحاباة فِي حدود الله تعالى، وإن فُرضت فِي أبعد النَّاس منْ الوقوع فيها، وَقَدْ قَالَ الليث بن سعد رحمه الله تعالى بعد روايته لهذا الْحَدِيث: وَقَدْ أعاذها الله منْ ذلك- أي حفظها منْ الوقوع فِي ذلك، وحماها منه، إذ هي بضعة منْ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهذا كقوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ} الآية [الحاقة: ٤٤]، وهو -صلى الله عليه وسلم- معصوم منْ ذلك، وَقَدْ سمعنا أشياخنا رحمهم الله تعالى عند قراءة هَذَا الْحَدِيث يقولون: أعاذها الله منْ ذلك، وبلغنا عن الإمام الشافعيّ رحمه الله تعالى أنه لم ينطق هَذَا اللفظ؛ إعظامًا لفاطمة رضي الله تعالى عنها، وإجلالاً لمحلّها، وإنما قَالَ: فذكر عضوًا شريفًا منْ امرأة شريفة، وما أحسن هَذَا، وأنزهه، والظاهر أن ذكر فاطمة رضي الله تعالى عنها، دون غيرها؛ لأنها أفضل نساء زمانها، فهي عائشة (١) فِي النِّساء، لا شيء بعدها، فلا يحصل تأكيد المبالغة إلا بذكرها، وانضمّ إلى هَذَا أنها عضو منْ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ومع ذلك، فلم يحمله ذلك عَلَى محاباتها فِي الحقّ، وفيها شيء آخر، وهو أنها مشاركة هذه المرأة فِي الاسم، فينتقل اللفظ، والذهن منْ إحداهما إلى الأخرى، وإن تباين ما بين المحلّين. أنتهى "طرح التثريب" ٨/ ٣٥ - ٣٦. وهو تحقيق نفيس، وبحث أنيس. والله تعالى أعلم.

(لَقَطَعْتُهَا) وفي الرواية الآتية: "لقطعت يدها"، وفي رواية البخاريّ: "لقطع محمد يدها"، وفيه تجريد، وَقَدْ سبق فِي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: "قم يا بلال، فخذ بيدها، فاقطعها"، وفي رواية: "فأمر بها، فقطعت".

وفي رواية ابن المبارك عن يونس، عند البخاريّ: "ثم أمر بتلك المرأة التي سَرَقت، فقُطعت يدها"، وفي حديث جابر -صلى الله عليه وسلم- عند الحاكم: "فقطعها"، وذكر أبو داود تعليقا عن محمد بن عبد الرحمن بن غَنَج، عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد، نحو حديث المخزومية، وزاد فيه: "قَالَ: نشهد عليها"، وزاد يونس أيضا فِي روايته: قالت عائشة: "فحسنت توبتها بعدُ، وتزوجت، وكانت تأتيني بعد ذلك، فارفع حاجتها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وأخرجه الإسماعيلي، منْ طريق نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، وفيه: "قَالَ


(١) هكذا نسخة "الطرح"، وفيه ركاكة، ولعل صواب العبارة هكذا: "فهي وعائشة فِي النِّساء لا شيء بعدهما" أي فِي الفضل، فليُحرّر.