للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المعتزلة، وخالفهم الجمهور، فقالوا: العام إذا خُصّ منه شيء بدليل، بقي ما عداه عَلَى عمومه، وحجيته، سواء كَانَ لفظه ينبىء عما ثبت فِي ذلك الحكم بعد التخصيص، أم لا؛ لأن آية السرقة عامة، فِي كل مَن سَرق، فخَصّ الجمهور منها مَن سَرق منْ غير حرز، فقالوا: لا يقطع، وليس فِي الآية ما ينبىء عن اشتراط الحرز، وطرد البصريّ أصله فِي الاشتراط المذكور، فلم يشترط الحرز، ليستمر الاحتجاج بالآية، نعم وزعم ابن بطال أن شرط الحرز مأخوذ منْ معنى السرقة، فان صح ما قَالَ، سقطت حجة البصريّ أصلا. (ومنها): أنه استُدِل به عَلَى أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب؛ لأن آية السرقة نزلت فِي سارق رداء صفوان، أو سارق المجنّ، وعَمِل بها الصحابة فِي غيرهما منْ السارقين. (ومنها): أنه استُدل بإطلاق حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: "قطع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي ربع دينار"، عَلَى أن القطع يجب بما صَدَق عليه ذلك، منْ الذهب، سواء كَانَ مضروبا، أو غير مضروب، جَيِّدًا كَانَ، أو رديئا، وَقَدْ اختَلَف فيه الترجيح عند الشافعيّة، ونص الشافعيّ فِي "الزكاة" عَلَى ذلك، وأطلق فِي "السرقة"، فجزم الشيخ أبو حامد، وأتباعه بالتعميم هنا، وَقَالَ الإصطخري: لا يقع إلا فِي المضروب، ورجحه الرافعي، وقيد الشيخ أبو حامد النقل عن الإصطخري بالقدر الذي ينقص بالطبع.

(ومنها): أنه استُدِل بالقطع فِي الْمِجَنّ، عَلَى مشروعية القطع فِي كل ما يُتَمَوَّل قياسا، واستثنى الحنفية ما يُسرع إليه الفساد، وما أصله الإباحة، كالحجارة، واللبن، والخشب، والملح، والتراب، والكلإ، والطير، وفيه رواية عن الحنابلة، والراجح عندهم فِي مثل السرجين القطع، تفريعا عَلَى جواز بيعه، وفي هَذَا تفاريع أخرى، محل بسطها كتب الفقه، وبالله التوفيق. قاله فِي "الفتح" ١٤/ ٦٣ - ٦٤.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: القول بالتعميم هو الأظهر؛ لإطلاق النصوص. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي اعتبار النصاب لوجوب قطع السارق:

قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: الشرط الثاني: أن يكون المسروق نصابا، ولا قطع فِي القليل، فِي قول الفقهاء كلهم، إلا الحسن، وداود، وابن بنت الشافعيّ، والخوارج، قالوا: يُقطع فِي القليل والكثير؛ لعموم الآية؛ ولِمَا روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لعن الله السارق يَسرِق الحبل، فتقطع يده، وشرق البيضة، فتقطع يده"، متَّفقٌ عليه، ولأنه سارق منْ حرز، فتقطع يده كسارق الكثير.

قَالَ: ولنا قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا قطع إلا فِي ربع دينار، فصاعدا"، متَّفقٌ عليه، وإجماعُ