(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان حكم سرقة الثمر بعد أن يؤويه الجرين، وهو القطع، إذا بلغ نصابًا، وإلا غرامة مثليه، والعقوبة. (ومنها): أن فيه جواز أخذ المحتاج منْ الثمار المعلّقة بفيه لسدّ فاقته. (ومنها): أنه يحرم عليه إخراج شيء منه، فإن خرج منه بشيء، فلا يخلو منْ أن يكون قبل أن يُجذّ، وُيؤيه الجرين، أو بعده، فإن كَانَ قبل الجذّ، فعليه الغرامة، والعقوبة، وإن كَانَ بعد القطع، وإيواء الجرين، فعليه القطع، إن بلغ نصابًا، وهو ثمن المجنّ، ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، وإلا فعليه الغرامة، والعقوبة. (ومنها): أنه يؤخذ منه اشتراط الحرز فِي وجوب القطع فِي السرقة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "بعد أن يُؤويه الجَرِين"، وهو مذهب الجمهور، وهو الأرجح، كما تقدّم تحقيقه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي جواز أكل الثمار للمارّة:
قَالَ الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه" رقم (٢٤٣٥): "بابٌ لا تُحتلب ماشية أحد بغير إذنه"، ثم أورد بسنده حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"لا يحلُبنّ أحدٌ مَوَاشِيَ امرىء بغير إذنه، أيُحبّ أحدكم أن تُؤتى مَشرُبته، فتُكسرَ خِزانته، فيُنتقل طعامه؟، فإنم تخزن لهم ضروع ماشيتهم أطعماتهم، فلا يحلُبنّ أحد ماشية أحد إلا بإذنه". انتهى.
فَقَالَ فِي "الفتح" ٥/ ١١٣: قَالَ ابن عبد البرّ: فِي الْحَدِيث النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئا إلا بإذنه، وإنما خص اللبن بالذكر؛ لتساهل النَّاس فيه، فنبه به عَلَى ما هو أولى منه، وبهذا أخذ الجمهور، لكن سواء كَانَ بإذن خاصّ، أو إذن عامّ، واستثنى كثير منْ السلف، ما إذا عَلِم بطيب نفس صاحبه، وإن لم يقع منه إذن خاص، ولا عام.
وذهب كثير منهم إلى الجواز مطلقا، فِي الأكل، والشرب، سواء علم بطيب نفسه، أو لم يعلم، والحجة لهم ما أخرجه أبو داود، والترمذي، وصححه منْ رواية الحسن، عن سمرة، مرفوعًا:"إذا أتى أحدكم عَلَى ماشية، فإن لم يكن صاحبها فيها، فليُصَوِّت ثلاثا، فإن أجاب فليستأذن، فإن أذن له، وإلا فليحلُب، وليشرب، ولا يحمل"، إسناده صحيح إلى الحسن، فمن صحح سماعه منْ سمرة صححه، ومن لا، أعلّه بالانقطاع، لكن له شواهد، منْ أقواها حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-، مرفوعا:"إذا أتيت عَلَى راع، فناده ثلاثا، فإن أجابك، وإلا فاشرب منْ غير اْن تُفسِد، وإذا أتيت عَلَى حائط بستان، فذكر مثله"، أخرجه بن ماجه، والطحاوي، وصححه ابن حبّان، والحاكم.