للمسلمين، واستؤنس بما شرطه الصحابة عَلَى أهل الذمة منْ ضيافة المسلمين، وصح ذلك عن عمر، وذكر ابن وهب عن مالك فِي المسافر، ينزل بالذمي، قَالَ: لا يأخذ منه شيئا إلا بإذنه، قيل له: فالضيافة التي جُعلت عليهم؟ قَالَ: كانوا يومئذ يخفف عنهم بسببها، وأما الآن فلا. وجنح بعضهم إلى نسخ الإذن، وحملوه عَلَى أنه كَانَ قبل إيجاب الزكاة، قالوا: وكانت الضيافة حينئذ واجبة، ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة، قَالَ الطحاوي: وكان ذلك حيق كانت الضيافة واجبة، ثم نسخت، فنسخ ذلك الحكم، وأورد الأحاديث فِي ذلك.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: دعوى النسخ هَذَا يحتاج إلى دليل. والله تعالى أعلم.
وَقَالَ النوويّ فِي "شرح المهذب": اختلف العلماء، فيمن مر ببستان، أو زرع، أو ماشية، قَالَ الجمهور: لا يجوز أن يأخذ منه شيئا، إلا فِي حال الضرورة، فيأخذ، وَيغرَم عند الشافعيّ، والجمهور. وَقَالَ بعض السلف: لا يلزمه شيء. وَقَالَ أحمد: إذا لم يكن عَلَى البستان حائط، جاز له الأكل منْ الفاكهة الرطبة، فِي أصح الروايتين، ولو لم يحتج لذلك، وفي الأخرى إذا احتاج، ولا ضمان عليه فِي الحالين، وعَلَّق الشافعيّ القول بذلك عَلَى صحة الْحَدِيث، قَالَ البيهقي: يعني حديث ابن عمر مرفوعا: "إذا مر أحدكم بحائط، فليأكل، ولا يتخذ خبيئة"، أخرجه الترمذيّ، واستغربه، قَالَ البيهقي: لم يصح، وجاء منْ أوجه أخر غير قوية.
قَالَ الحافظ: والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح، وَقَدْ احتجوا فِي كثير منْ الأحكام بما هو دونها، وَقَدْ بينت ذلك فِي كتابي "المنحة فيما علق الشافعيّ القول به عَلَى الصحة". انتهى "فتح" ٥/ ٣٧٦ - ٥٧٧. "كتاب اللقطة" رقم ٢٤٣٥.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن الأرجح القول بجواز الأكل بغير ضمان، مطلقًا، سواء أذن صاحبه، أم لا؛ لصحّة الأحاديث بذلك، كما حقّقه الحافظ رحمه الله تعالى فِي كلامه المذكور آنفًا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي تضمين منْ سرق منْ الثمر المعلّق مثليه:
ذهب الإمامان: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه رحمهما الله تعالى إلى أن منْ سرق منْ الثمر المعلق، فعليه غرامة مثليه؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما المذكور فِي الباب، قَالَ أحمد رحمه الله تعالى: لا أعلم سببا يدفعه. وذهب أكثر الفقهاء إلى أنه لا يجب فيه أكثر منْ مثله، قَالَ ابن عبد البرّ: لا أعلم أحدا منْ