الفقهاء قَالَ بوجوب غرامة مثليه، قَالَ الموفق: واعتذر بعض أصحاب الشافعيّ عن هَذَا الخبر، بأنه كَانَ حين كانت العقوبة فِي الأموال، ثم نسخ ذلك.
قَالَ: ولنا قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهو حجة، لا تجوز مخالفته، إلا بمعارضة مثله، أو أقوى منه، وهذا الذي اعتذر به هَذَا القائل، دعوى للنسخ بالاحتمال، منْ غير دليل عليه، وهو فاسد بالإجماع، ثم هو فاسد منْ وجه آخر؛ لقوله:"ومن سرق منه شيئا بعد أن يُؤيه الجرين، فبلغ ثمن المجن فعليه القطع"، فقد بَيَّن وجوب القطع، مع إيجاب غرامة مثليه، وهذا يبطل ما قاله، وَقَدْ احتج أحمد بأن عمر أغرم حاطب بن أبي بَلْتَعَة حين انتحر غلمانه ناقة رجل منْ مزينة، مثلي قيمتها، ورَوَى الأثرم الحديثين فِي "سننه"(١) قَالَ أصحابنا -أي الحنبليّة-: وفي الماشية تُسرق منْ المرعى، منْ غير أن تكون محرزة مثلا قيمتها؛ للحديث، وهو ما جاء فِي سياق حديث عمرو بن شعيب: أن السائل قَالَ: الشاة الْحَرِيسة منهن يا نبي الله؟ قَالَ:"ثمنها ومثله معه، والنَّكَال، وما كَانَ فِي الْمَرَاح ففيه القطع، إذا كَانَ ما يأخذه منْ ذلك ثمن المجن"، هَذَا لفظ رواية ابن ماجه، وما عدا هذين لا يُغَرَّم بأكثر منْ قيمته، أو مثله، إن كَانَ مثليا، هَذَا قول أصحابنا وغيرهم، إلا أبا بكر، فإنه ذهب إلى إيجاب غرامة المسروق، منْ غير حرز، بمثليه؛ قياسا عَلَى الثمر المعلق، وحَرِيسة الجَبَل؛ استدلالا بحديث حاطب.
ولنا أن الأصل وجوب غرامة المثلي بمثله، والمتقوم بقيمته، بدليل المتلف، والمغصوب، والمنتهب، والمختلس، وسائر ما تجب غرامته، خولف فِي هذين الموضعين؛ للأثر، ففيما عداه يبقى عَلَى الأصل. انتهى كلام ابن قُدامة رحمه الله تعالى "المغني" ١٢/ ٤٣٨ - ٤٣٩.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي قرر به ابن قُدامة مذهب الحنابلة، منْ تغريم المثلين هو الحقّ، وَقَدْ استوفيت فِي "كتاب الزكاة" فِي "باب عقوبة مانع الزكاة" بيان مذاهب العلماء، وتحقيقها بأدلّتها، وترجيح الراجح منها.
وخلاصة ما قلته هناك أن قول الجمهور بعدم مشروعيّة العقوبة بالمال مطلقا حَتَّى فِي المواضع التي صحّت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، مثل حديث الباب، محتجّين بالنصوص العامة المحرّمة لمال المسلم، فغير مقبول؛ لأن حرمة مال المسلم مشروط بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إلا بحقّه"، وما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- كحديث الباب، فإنه منْ حقّه، فلا تتناوله نصوص التحريم، وكذلك القول بجوز العقوبة به مطلقًا، كما يقول الآخرون، فمما لا يُلتفت إليه؛ لقوّة