[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفيه بقيّة، وهو معروف بتدليس التسوية؟.
[قلت]: قد صرّح بقيّة بالتحديث فيه، وفي شيخه، وأيضًا لم ينفرد بالحديث، فقد تابعه عليه عبد الله بن وهب، عن حيوة، كما تقدّم فِي سند أبي داود. والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: قد تكلّموا فِي بسر بن أبي أرطاة، وفي ثبوت صحبته، فقد قَالَ الشوكانيّ: واختلف فِي صحبة بسر المذكور، فقيل: له صحبة، وقيل: لا صحبة له، وأن مولده بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، وله أخبار مشهورة، وكان يحيى بن معين، لا يحسن الثناء عليه، قَالَ المنذري: وهذا يدلّ عَلَى أنه عنده لا صحبة له، ونقل فِي "الخلاصة" عن ابن معين أنه قَالَ: لا صحبة له، وأنه رجل سوء، ولي اليمن، وله بها آثار قبيحة. انتهى. ونقل عبد الغني، أن حديثه فِي الدعاء، فيه التصريح بسماعه، منْ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، وَقَدْ غمزه الدارقطنيّ، ولا يرتاب منصف أن الرجل ليس بأهل للرواية، وَقَدْ فَعَل فِي الإسلام أفاعيل، لا تصدر عمن فِي قلبه مثقال حبة منْ إبمان، كما تضمنت ذلك كتب التاريخ المعتبرة، فثبوت صحبته لا يرفع القدح عنه، عَلَى ما هو المذهب الراجح، بل هو إجماع، لا يختلف فيه أهل العلم، كما حققنا ذلك فِي غير هَذَا الموضع، وحققه العلامة محمد بن إبراهيم الوزير، فِي "تنقيحه"، ولكن إذا كَانَ المناط فِي قبول الرواية، هو تحري الصدق، وعدم الكذب، فلا ملازمة بين القدح فِي العدالة، وعدم قبول الرواية، وهذا يتمشى عَلَى قول منْ قَالَ: إن الكفر والفسق، مظنة تهمة، لا منْ قَالَ: إنهما سلب أهلية، عَلَى ما تقرر فِي الأصول. انتهى كلام الشوكانيّ "نيل الأوطار" ٧/ ١٤٤ - ١٤٥.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تقدّم فِي ترجمته أن الأرجح ثبوت صحبته -رضي الله عنه-، فإذا ثبتت صحبته، فالأفاعيل التي ألزقتها به كتب التواريخ، منها ما لا يصح؛ لأن هذه الكتب مشحونة بما لا يثبت أصلا، وما ثبت منها، فيُحمل عَلَى الاجتهاد الذي نحمل عليه ما جرى بين الصحابة فِي وقعتي الجمل، وصفيّن؛ حيث سُفكت فيها الدماء، فنقول: إن أحد الفريقين صاحب حقّ، والآخر مجتهد، والمجتهد يصيب، ويخطىء، فيكون ما فعله هَذَا الصحابيّ منْ هَذَا القبيل، وأما ما قاله الشوكانيّ فأراه مما لا ينبغي أن يصدر عن مثله فيمن ثبتت صحبته، مع إمكان حمله عَلَى المحامل الحسنة، فيا ليته لم يقل مثل هَذَا فِي جانب منْ ثبتت صحبته. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه: