الإيمان، وهذا مذهب جلّ السلف، فقد حُكي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وعائشة، والحسن، وابن سيرين، ومنصور، ومغيرة، والأعمش، وليث بن أبي سُليم، وعطاء بن السائب، وعمارة بن القعقاع، والعلاء بن المسيب، وإسماعيل بن أبي خالد، وعبد الله بن شُبْرُمة، والثوريّ، وابن عُيينة، وَقَالَ: إنه توكيد للإيمان، وحمزة الزيات، وعلقمة، وحماد بن زيد، والنضر بن شُميل، ويزيد بن زُريع، ويحيى ابن سعيد القطّان، والنخعيّ، وطاوس، وأبي الْبَخْتَريّ سعيد بن فَيروز، ويزيد بن أبي زياد، وعلي بن خليفة، ومعمر، وجرير بن عبد الحميد، وابن المبارك، والأوزاعيّ، ومالك، وابن مهديّ، والشافعيّ، وأبي ثور، وآخرين، واختاره أبو منصور الماتريديّ، بل بلغ قوم منْ السلف، وقالوا: إنه أولى، وعابوا عَلَى قائل: إني مؤمن. أخرج ذلك ابن أبي شيبة فِي "كتاب الإيمان". ومنع منْ ذلك أبو حنيفة، وطائفة، وقالوا: هو شكّ، والشكّ فِي الإيمان كفر. وأجيب عن ذلك باوجه:[أحدها]: أنه لا يقال شكّا، بل خوفًا منْ سوء الخاتمة؛ لأن الأعمال معتبرة بخواتمها، كما أن الصائم لا يحكم له بالصوم إلا فِي آخر النهار. [الثانية]: أنه للتبرّك، وإن لم يكن شكٌّ، كقوله تعالى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} الآية [الفتح: ٢٧]. [الثالثة]: أن المشيئة راجعة إلى الإيمان، فقد يُخلّ ببعضه، فيستثني لذلك. والله تعالى أعلم بالصواب، راجع ما كتبته عَلَى "الكوب الساطع" ص ٦٠١ - ٦٠٢.
وَقَالَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: الاستثناء فِي الإيمان سنة عند أصحابنا، وأكثر أهل السنّة، وقالت المرجئة والمعتزلة: لا يجوز الاستثناء فيه، بل هو شكّ، والاسثناء أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، أو مؤمن أرجو، أو آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، أو إن كنت تريد الإيمان الذي يَعصم دمي فنعم، وإن كنت تريد:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}[الأنفال: ٢] فالله أعلم.
ثم هنا ثلاثة أقوال: إما أن يقال: الاسثناء واجبٌ، فلا يجوز القطع، وهذا قول القاضي فِي "عيون المسائل" وغيره. وإما أن يقال: هو مستحبّ، ويجوز القطع باعتبار آخر. وإما أن يقال: كلاهما جائز باعتبار. وإنما ذكر أن الاستثناء سنة بمعنى أنه جائز، ردًّا عَلَى منْ نهى عنه. فإذا قلنا: هو واجب، فمأخذ القاضي أنه لو جاز القطع عَلَى أنّا مؤمنون، لكان ذلك قطعًا عَلَى أنّا فِي الجنة؛ لأن الله تعالى وعد المؤمنين الجنة، ولا يجوز القطع عَلَى الوعد بالجنة؛ لأن منْ شرط ذلك الموافاة بالإيمان، ولا يعلم ذلك إلا الله، وكذلك الإيمان إنما يحصل بالموافاة، ولا يعلم ذلك، ولهذا قَالَ ابن مسعود -رضي الله عنه-: هلا وكل الأولى كما وكل الآخرة، يريد بذلك ما استدلّ به منْ أنَّ رجلا قَالَ