للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حنبل، سمعت يحيى بن سعيد يقول: ما أدركت أحدًا منْ أصحابنا، ولا بلغني إلا عَلَى الاستثناء، قَالَ الأثرم: سمعت أبا عبد الله، يسأل عن الاستثناء فِي الإيمان، ما تقول فيه؟ قَالَ: أما أنا فلا أَعيبه (١) فاستثنى مخافة، واحتياطًا، ليس كما يقولن عَلَى الشكّ، إنما يستثني للعمل، قَالَ أبو عبد الله: قَالَ الله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} الآية: أي إن هَذَا الاستثناء لغير شكّ، وَقَدْ قَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون": أي لم يكن يشك فِي هَذَا، وَقَدْ استثنى، وذكر قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "نبعث إن شاء الله" منْ القبر، وذكر قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إني والله لأرجو أن أكون أخشاكم لله"، قَالَ: هَذَا كله تقوية للاستثناء فِي الإيمان. قلت لأبي عبد الله: فكأنك لا ترى بأسًا أن لا يُستثنى، فَقَالَ: إذا كَانَ ممن يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، فهو أسهل عندي، ثم قَالَ أبو عبد الله: إن قومًا تضعف قلوبهم عن الاستثناء، فتعجّب منهم، وذكر كلامًا طويلاً تركته. فكلام أحمد يدلّ عَلَى أن الاستثناء لأجل العمل، وهذا المأخذ الثاني، وأنه لغير شكّ فِي الأصل، وهو يُشبه الثالث، ويقتضي أن يجوز ترك الاستثناء، وأما جواز إطلاق القول بأني مؤمن، فيصحّ إذا عنَى أصل الإيمان، دون كماله، والدخول فيه، دون تمامه، كما يقول: أنا حاج، وصائمٌ لمن شرع فِي ذلك، وكما يُطلقه فِي قوله: آمنت بالله ورسله، وفي قوله: إن كنت تعني كذا وكذا أن جواز إخباره بالفعل يقتضي جواز إخباره بالاسم مع القرينة، وعلى هَذَا يخرّج ما رُوي عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، وما رُوي فِي حديث الحارث الذي قَالَ: "أنا مؤمنٌ حقًا"، وفي حديث الوفد الذين قالوا: "نحن المؤمنون"، وإن كَانَ فِي الإسنادين نظر. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" ٧/ ٦٦٦ - ٦٦٩.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما سبق أن الأرجح هو ما عليه جلّ السلف رحمهم الله تعالى منْ أنه يجوز أن يقول الإنسان: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى؛ خوفًا منْ العاقبة، وتبرّكًا بذكر المشيئة، لا شكًّا فِي أصل الإيمان. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة) [اعلم]: أن مذهب أهل الحق، أنه لا يُكَفَّر أحد منْ أهل القبلة بذنب، ولا يكفر أهل الأهواء والبدع، وأن منْ جحد ما يُعلم منْ دين الإسلام ضرورة، حُكم بردته، وكفره، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ونحوه ممن يخفى عليه، فيُعَرَّف ذلك، فإن استمر حُكم بكفره، وكذا حكم منْ استحل الزنا،


(١) كتب فِي "هامش مجموع الفتاوى": ما نصّه: سقط فِي الأصل مقدار نصف سطر.