منْ إطلاق العلم، أن لا تكون مقدماته ظنيةً، فيكون نظريا، لا يقينيا، وهو الممكن هنا، وبهذا جزم صاحب "المفهم فِي شرح مسلم"، فَقَالَ: الرواية بضم الهمزة. واستَنْبَط منه جواز الحلف عَلَى غلبة الظن؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ما نهاه عن الحلف، كذا قَالَ، وفيه نظر لا يخفي؛ لأنه أقسم عَلَى وجدان الظن، وهو كذلك، ولم يقسم عَلَى الأمر المظنون، كما ظَنَّ. انتهى "فتح" ١/ ١١٢ - ١١٣.
(فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَوْ مُسْلِمٌ") بالرفع خبر لمحذوف: أي بل: هو مسلم، فـ"أو" بسكون الواو، لا بفتحها كما ظُنَّ غلطًا، وهي للإضراب، بمعنى "بل"، وليست للتشريك، ولا لغيره، كما قيل، وفي رواية البخاريّ "أو مسلمًا" بالنصب، قَالَ فِي "الفتح": قوله: "فَقَالَ: أو مسلما": هو بإسكان الواو، لا بفتحها، فقيل: هي للتنويع، وَقَالَ بعضهم: هي للشك، وأنه أمره أن يقولهما معا؛ لأنه أحوط، وَيرُدُّ هَذَا رواية ابن الأعرابيّ فِي "معجمه" فِي هَذَا الْحَدِيث، فَقَالَ:"لا تقل: مؤمن، بل مسلم"، فوضح أنها للاضراب.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي عزاه إلى "معجم ابن الأعرابيّ" هو المذكور للمصنّف فِي الرواية التالية، فكان الأولى أن يعزوه إليه، فتنبّه.
قَالَ: وليس معناه الإنكار، بل المعنى أن إطلاق المسلم عَلَى منْ لم يُخْتَبر حاله الخبرةَ الباطنَةَ أولي منْ إطلاق المؤمن؛ لأن الإسلام معلوم بحكم الظاهر، قاله الشيخ محيي الدين، ملخصًا.
وتعقبه الكرماني بأنه يلزم منه أن لا يكون الْحَدِيث دالا عَلَى ما عُقِد له الباب، ولا يكون لرد الرسول -صلى الله عليه وسلم- عَلَى سعد فائدة. قَالَ الحافظ: وهو تعقب مردود، وَقَدْ بينا وجه المطابقه بين الْحَدِيث والترجمه قبلُ.
ومُحَصَّلُ القصه أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، كَانَ يوسع العطاء لمن أظهر الإسلام؛ تأليفًا، فلما أعطى الرهط، وهم منْ المؤلفة، وترك جُعيلا، وهو منْ المهاجرين، مع أن الجميع سألوه، خاطبه سعد فِي أمره؛ لأنه كَانَ يرى أن جعيلا أحق منهم؛ لما اختبره منه دونهم، ولهذا راجع فيه أكثر منْ مرة، فأرشده النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى أمرين:[أحدهما]: إعلامه بالحكمة فِي إعطاء أولئك، وحرمان جعيل، مع كونه أحب إليه ممن أعطى؛ لأنه لو ترك إعطاء المؤلف، لم يؤمن ارتداده، فيكون منْ أهل النار. [ثانيهما]: إرشاده إلى التوقف عن الثناء بالأمر الباطن، دون الثناء بالأمر الظاهر، فوضح بهذا فائدة رد الرسول -صلى الله عليه وسلم- عَلَى سعد، وأنه لا يستلزم محض الإنكار عليه، بل كَانَ أحد الجوابين عَلَى طريق المشورة بالأولى، والآخر عَلَى طريق الاعتذار.