للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منْ لسانه ويده، والمؤمن منْ أَمِنه النَّاس عَلَى أموالهم، وأنفسهم". خرجه ابن حبّان فِي "صحيحه" منْ حديث فَضَالة بن عُبيد. وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أحيانا يجمع لمن قَدِم عليه يريد الإسلام بين ذكر حقّ الله تعالى، وحقّ العباد، كما فِي "مسند الإمام أحمد" عن عمرو ابن عَبَسَة -رضي الله عنه-, قَالَ: قَالَ رجل: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قَالَ: "أن تُسلم قلبك لله، وأن يَسلَم المسلمون منْ لسانك، ويدك". وفيه أيضًا عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه -رضي الله عنه- أنه أتى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ليُسلم، فَقَالَ له: أسألك بوجه الله بم بعثك الله ربنا إلينا؟ قَالَ: "بالإسلام قَالَ: وما آية الإسلام؟ قَالَ: "أن تقول: أسلمت وجهي لله، وتخلّيتُ، وتُقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وكلّ مسلم عَلَى مسلم محرّم"، وذكر الْحَدِيث، وَقَالَ فيه: قلت: يا رسول الله هَذَا ديننا؟ قَالَ: "هَذَا دينكم"، وأخرجه النسائيّ بمعناه رقم ٢٤٣٦. انتهى كلام ابن رَجَب فِي "شرح البخاريّ" ١/ ٣٧ - ٣٩.

(وَالْمُهَاجِرُ) هو فِي الأصل منْ فارق عشيرته، ووطنه، وهو مبتدأ خبره قوله: (مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ) أي ترك فعل الشي الذي نهى الله تعالى عن فعله. يقال: هجره يهجُره هَجْرًا، منْ باب نصر، وهِجْرانًا، والاسم الهجرة، وفي "العباب": الهجرة: ضدّ الوصل، والتركيب يدلّ عَلَى القطع، والقطيعة، والمهاجر مُفاعلٌ منه. قاله فِي "عمدة القاري" ١/ ١٤٩.

وَقَالَ فِي "الفتح": والمهاجر هو بمعنى الهاجر، وإن كَانَ لفظ المفاعل يقتضي وقوع فعل منْ اثنين، ولكنه هنا للواحد، كالمسافر. ويحتمل أن يكون عَلَى بابه؛ لأن مِنْ لازم كونه هاجرا وطنه مثلا، أنه مهجور منْ وطنه.

وهذه الهجرة ضربان: ظاهرة، وباطنة، فالباطنة: ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان، والظاهرة: الفرار بالدين منْ الفتن، وكأن المهاجرين خوطبوا بذلك؛ لئلا يتكلوا عَلَى مجرد التحول منْ دارهم، حَتَّى يمتثلوا أوامر الشرع ونواهيه، ويحتمل أن يكون ذلك قيل بعد انقطاع الهجرة، لَمّا فتحت مكة؛ تطييبا لقلوب منْ لم يُدرك ذلك، بل حقيقة الهجرة تحصل لمن هجر ما نهى الله عنه، فاشتملت هاتان الجملتان، عَلَى جوامع منْ معاني الحكم، والأحكام. انتهى "فتح" ١/ ٧٨.

وَقَالَ الحافظ ابن رَجَب رحمه الله تعالى: أصل الهجرة هجران الشرّ، ومباعدته لطلب الخير، ومحبّته، والرغبة فيه، والهجرة عند الإطلاق فِي الكتاب والسنة إنما تنصرف إلى هجران بلد الشرك إلى دار الإسلام؛ رغبة فِي تعلم الإسلام، والعمل به، وإذا كَانَ كذلك، فأصل الهجرة أن يهجُر ما نهاه الله تعالى عنه، منْ المعاصي، فيدخل