المالكيّة، إلا أن ينزل العدوّ بقوم، أو يأمر الإمام بالجهاد، فيلزم عند ذلك، وَقَدْ ظهر منْ عدول ابن عمر عن جواب الذي قَالَ له: ألا تغز؟ إلى جوابه بقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "بني الإسلام عَلَى خمس" أنه كَانَ لا يرى فرضية الجهاد فِي ذلك الوقت خاصّةً، أو عَلَى أنه يرى سقوطه مطلقًا، كما نُقل عنه. انتهى "المفهم" ١/ ١٦٨ - ١٦٩.
وَقَالَ الشيخ عزّ الدين ابن عبد السلام رحمه الله تعالى فِي "أماليه" فِي هَذَا الْحَدِيث إشكالٌ؛ لأن الإسلام إن أريد به الشهادة، فهو مبنيّ عليها؛ لأنها شرط فِي الإيمان، مع الإمكان الذي هو شرط فِي الخمس، وإن أريد به الإيمان، فكذلك؛ لأنه شرط، وإن أريد به الانقياد، والانقياد هو الطاعة، والطاعة فعل المأموربه، والمأمور به هي هذه الخمس، لا عَلَى سبيل الحصر، فيلزم بناء الشيء عَلَى نفسه.
قَالَ: والجواب أنه التذلّل العام الذي هو اللغويّ، لا التذلّل الشرعيّ الذي هو فعل الواجبات، حَتَّى يلزم بناء الشيء عَلَى نفسه. ومعنى الكلام: أن التذلّل اللغويّ يترتّب عَلَى هذه الأفعال، مقبولاً منْ العبد، طاعةً، وقربةً.
وَقَالَ فِي موضع آخر:[إن قيل]: هذه الخمس هي الإسلام، فما المبنيّ عليه؟.
[فالجواب]: أن المبنيّ هو الإسلام الكامل، لا أصل الإسلام. انتهى ذكره فِي "زهر الربى" ٨/ ١٠٨.
وَقَالَ فِي "الفتح": [فإن قيل]: الأربعة المذكورة مبنية عَلَى الشهادة، إذ لا يصح شيء منها، إلا بعد وجودها، فكيف يُضم مبنى إلى مبنى عليه، فِي مسمى واحد؟.
[أجيب]: بجواز ابتناء أمر عَلَى أمر، ينبني عَلَى الأمرين أمر آخر. [فإن قيل]: المبنيّ لابد أن يكون غير المبنيّ عليه. [أجيب]: بأن المجموع غيرٌ منْ حيثُ الانفراد، عينٌ منْ حيث الجمع، ومثاله البيت منْ الشَّعَر، يُجعَل عَلَى خمسة أعمدة: أحدها أوسط، والبقية أركان، فما دام الأوسط قائما، فمُسمَّى البيت موجود، ولو سقط مهما سقط منْ الأركان، فإذا سقط الأوسط، سقط مسمى البيت، فالبيت بالنظر إلى مجموعه شيء واحد، وبالنظر إلى أفراده أشياء، وأيضًا فبالنظر إلى أُسّه وأركانه، الأُسُّ أصل، والأركان تبع، وتكملة.
[تنبيه]: لم يذكر الجهاد؛ لأنه فرض كفاية، ولا يتعين إلا فِي بعض الأحوال، ولهذا جعله ابن عمر جواب السائل، وزاد فِي رواية عبد الرزاق فِي آخره:"وأن الجهاد منْ العمل الحسن"، وأغرب ابن بطال، فزعم أن هَذَا الْحَدِيث، كَانَ أول الإسلام، قبل فرض الجهاد. وفيه نظر، بل هو خطأٌ؛ لأن فرض الجهاد كَانَ قبل وقعة بدر، وبدر كانت فِي رمضان، فِي السنة الثانية، وفيها فُرِض الصيام، والزكاة بعد ذلك، والحج بعد