الصلاة عَلَى الحاجّ، فيتذكر العشاء الآخرة، وَقَدْ بقي عليه منْ وقت صلاة العشاء الآخرة ما لو فعله فاته الوقوف بعرفة، فقد قَالَ بعض العلماء: إنه يبدأ بالصلاة، وإن فاته الوقوف؛ نظرًا إلى ما ذكرناه. وقيل: يبدأ بالوقوف؛ للمشقّة فِي استئناف الحجّ. ومن ذلك لو أوصى رجل بزكاة فّرط فِي أدائها، وبكفّارة فطر منْ رمضان، وضاق الثلث عنهما بدأ بالزكاة أوّلاً؛ لأوكديّتها عَلَى الصوم، وكذلك لو أوصى بكفّارة الفطر، وبهدي واجبٍ فِي الحجّ، قدّم كفّارة الفطر، وهذا كلّه عَلَى أصل مالك، فإن ذلك كله يُخرج منْ الثلث، وأما منْ ذهب إلى أن ذلك يُخرج منْ رأس المال، فلا تفريع عَلَى ذلك بشيء مما ذكرناه. انتهى "المفهم" ١/ ١٦٩ - ١٧٠. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي زوال الإسلام بزوال شيء منْ هذه الأركان الخمسة:
لقد أجاد الحافظ ابن رَجَب رحمه الله تعالى فِي هَذَا الموضوع، حيث كتب: ما ملخّصه: معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "بُني الإسلام عَلَى خمس": أن الإسلام مَثَلُه كبنيان، وهذه الخمس دعائم البنيان، وأركانه التي يثبت عليها البنيان. قَالَ: وإذا كانت هذه دعائم البنيان، وأركانه، فبقية خصال الإسلام كبقية البنيان، فإذا فُقد شيء منْ بقية الخصال الداخلة فِي مُسمّى الإسلام الواجب نقص البنيان، ولم يسقط بفقده. وأما هذه الخمس، فإذا زالت كلّها سقط البنيان، ولم يثبت بعد زوالها، وكذلك إن زال منها الركن الأعظم، وهو الشهادتان، وزوالهما يكون بالإتيان بما يُضادّهما، ولا يجتمع معهما. وأما زوال الأربع البواقي، فاختلف العلماء، هل يزول الاسم بزوالها، أو بزوال واحد منها، أم لا يزول بذلك؟ أم يُفرّق بين الصلاة وغيرها، فيزول بترك الصلاة، دون غيرها؟ أم يختصّ زوال الإسلام بترك الصلاة والزكاة خاصّة؟، وفي ذلك اختلاف مشهور، وهذه الأقوال كلها محكيّة عن الإمام أحمد. وكثير منْ علماء أهل الْحَدِيث يرى تكفير تارك الصلاة، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعا منهم، حَتَّى إنه جعل قول منْ قَالَ: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها منْ أقوال المرجئة. وكذلك قَالَ سفيان ابن عيينة: المرجئة سمّوا ترك الفرائض ذنبًا بمنزلة ركوب المحارم، وليسا سواء؛ لأن ركوب المحارم متعمّدًا، منْ غير استحلال معصيةٌ، وترك الفرائض منْ غير جهل، ولا عذر: هو كفر. وبيان ذلك فِي أمر آدم وإبليس، وعلماء اليهود الذين أقرّوا ببعث النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بلسانهم، ولم يعملوا بشرائعه. ورُوي عن عطاء، ونافع مولى ابن عمر أنهما سُئلا عمن قَالَ: الصلاة فريضة، ولا أُصلي، فقالا: هو كافر، وكذا قَالَ الإمام أحمد. ونقل