حرب عن إسحاق، قَالَ: غَلَت المرجئة حَتَّى صار منْ قولهم: إن قوما يقولون: منْ ترك الصلوات المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحجّ، وعامّة الفرائض، منْ غير جحود لها لا نكفّره، يرجى أمره إلى الله بعدُ؛ إذ هو مقرّ، فهؤلاء الذين لا شكّ فيهم -يعني فِي أنهم مرجئة. وظاهر هَذَا أنه يكفّر بترك هذه الفرائض. وروى يعقوب الأشعريّ، عن ليث، عن سعيد بن جُبير، قَالَ: منْ ترك الصلاة متعمدًا، فقد كفر، ومن أفطر يومًا منْ رمضان متعمّدًا فقد كفر، ومن ترك الحجّ متعمّدًا، فقد كفر، ومن ترك الزكاة متعمّدًا، فقد كفر. وُيروى عن الحكم بن عُتيبة نحوه، وحُكي روايةً عن أحمد، اختارها أبو بكر منْ أصحابه، وعن عبد الملك بن حبيب المالكي مثله، وهو قول أبي بكر الحميديّ. ورُوي عن ابن عبّاس التكفير ببعض هذه الأركان، دون بعض، فروى مؤمل، عن حمّاد بن زيد، عن عمرو بن مالك النُّكْريّ، عن أبي الْجَوْزاء، عن ابن عبّاس، ولا أحسبه إلا رفعه، قَالَ:"عُرَى الإسلام، وقواعد الدين ثلاثة، عليهنّ أُسِّس الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وصوم رمضان، منْ ترك منها واحدةً، فهو بها كافرٌ حلال الدم، وتجده كثير المال، لم يحُجّ، فلا يزال بذلك كافرًا، ولا يحلّ دمه، وتجده كثير المال، لا يزكي، فلا يزال بذلك كافرًا، ولا يحلّ دمه". ورواه قتيبة، عن حماد بن زيد، فوقفه، واختصره، ولم يُتمّه. ورواه سعيد بن زيد، أخو حمّاد، عن عمرو بن مالك، ورفعه، وَقَالَ:"منْ ترك منهنّ واحدةً، فهو بالله كافر، ولا يُقبل منه صرفٌ، ولا عدلٌ، وَقَدْ حلّ دمه وماله"، ولم يزد عَلَى ذلك. والأظهر وقفه عَلَى ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، فقد جعل ابن عبّاس ترك هذه الأركان كفرًا، لكن بعضها كفرٌ يُبيح الدم، وبعضها لا يبيحه، وهذا يدلّ عَلَى أن الكفر بعضه ينقل عن الملّة، وبعضه لا ينقل.
وأكثر أهل الْحَدِيث عَلَى أن ترك الصلاة كفر، دون غيرها منْ الأركان، كذلك حكاه محمد بن نصر المروزيّ وغيره عنهم. وممن قَالَ بذلك: ابنُ المبارك، وأحمد، فِي المشهور عنه، وإسحاق، وحكى عليه إجماع أهل العلم، كما سبق. وَقَالَ أيوب: ترك الصلاة كفر، لا يُختلف فيه. وَقَالَ عبد الله بن شقيق: كَانَ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يرون شيئًا منْ الأعمال تركه كفر غير الصلاة. أخرجه الترمذيّ. وَقَدْ روي عن عليّ، وسعد، وابن مسعود، وغيرهم، قالوا: منْ ترك الصلاة، فقد كفر. وَقَالَ عمر: لا حظّ فِي الإسلام لمن ترك الصلاة. وفي "صحيح مسلم" عن جابر -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ:"بين الرجل وبين الشرك والكفر تركُ الصلاة". وأخرج النسائيّ، والترمذيّ، وابن