للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هَذَا الْحَدِيث، وسمّى الشعبة بابًا.

قَالَ: ومقصود هَذَا الْحَدِيث أن الأعمال الشرعيّة تُسمّى إيمانًا عَلَى ما ذكرناه آنفاً، وأنها منحصرة فِي ذلك العدد، غير أن الشرع لم يُعيّن ذلك العدد لنا، ولا فصّله، وَقَدْ تكلّف بعض المتأخّرين تعديد ذلك، فتصفّح خصال الشريعة، وعدّدها، حَتَّى انتهى بها فِي زعمه إلى ذلك العدد، ولا يصحّ له ذلك؛ لأنه يمكن الزيادة عَلَى ما ذكر، والنقصان مما ذكر ببيان التداخل، والصحيح ما صار إليه أبو سليمان الخطَّابِيُّ وغيره: أنها منحصرة فِي علم الله تعالى، وعلم رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وموجودة فِي الشريعة مفصّلة فيها، غير أن الشرع لم يوقفنا عَلَى أشخاص تلك الأبواب، ولا عيّن لنا عددها، ولا كيفيّة انقسامها، وذلك لا يضرّنا فِي علمنا بتفاصيل ما كُلّفنا به منْ شريعتنا، ولا فِي عملنا، إذ كلّ ذلك مفصّلٌ مبيّنٌ فِي جملة الشريعة، فما أُمرنا بالعمل به عملناه، وما نهُينا عنه انتهينا، وإن لم نُحط بحصر أعداد ذلك. والله تعالى أعلم. انتهى "المفهم" ١/ ٢١٦ - ٢١٧.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: سيأتي تمام البحث فِي عدد الشعب فِي المسألة الخامسة، إن شاء الله تعالى.

(وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ) "الحياء" -بالمد- هو فِي اللغة: تغير، وانكسار، يَعتَرِي الإنسانَ منْ خوف ما يعاب به، وَقَدْ يطلق عَلَى مجرد ترك الشيء بسبب، والترك إنما هو منْ لوازمه، وفي الشرع: خُلُقٌ يبعث عَلَى اجتناب القبيح، ويمنع منْ التقصير فِي حق ذي الحق، ولهذا جاء فِي الْحَدِيث الآخر: "الحياء خير كله". انتهى "فتح" ١/ ٧٦.

وَقَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: الحياء: انقباض، وحشمة يجدها الإنسان منْ نفسه عند ما يُطّلع منه عَلَى ما يُستقبح، وُيذمّ عليه، وأصله غريزيّ فِي الفطرة، ومنه مكتسبٌ للإنسان، كما قَالَ بعض الحكماء فِي العقل:

رَأَيْتُ الْعَقْلَ عَقْلَينِ … فَمَطبُوعٌ وَمَصْنُوعُ

وَلَا يَنْفَعُ مَصْنُوعْ … إِذَا لَم يَكُ مَطْبُوعُ

كَمَا لَا تَنفَعُ الْعَيْنُ … وَضَوْءُ الشَّمْسِ مَمْنُوعُ

وهذا المكتسب هو الذي جعله الشرع منْ الإيمان، وهو الذي يُكلّف به، وأما الغريزيّ، فلا يُكلّف به، إذ ليس ذلك منْ كسبنا، ولا فِي وُسعنا، ولم يُكلّف الله نفسًا إلا وسعها، غير أن هَذَا الغريزيّ يَحمل عَلَى المكتسب، وُيعين عليه، ولذلك قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "الحياء لا يأتي إلا بخير"، "والحياء خير كلّه". وأول الحياء، وأولاه: الحياء منْ الله تعالى، وهو أن لا يراك حيث نهاك، وذلك لا يكون إلا عن معرفة بالله تعالى كاملة، ومراقبة له حاصلة، وهي المعبّر عنها بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن