تراه، فإنه يراك". وَقَدْ روى الترمذيّ منْ حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "استحيوا منْ الله حقَّ الحياء"، فقالوا: إنا نستحيي، والحمد لله، فَقَالَ: "ليس ذلك، ولكن الاستحياء منْ الله حق الحياء أن تحفظ الرأس، وما حوى، والبطن وما وعى، وتذكر الموت والبِلَى، فمن فعل ذلك، فقد استحى منْ الله حقّ الحياء" (١).
قَالَ: وأهل المعرفة فِي هَذَا الحياء منقسمون، كما أنهم فِي أحوالهم متفاوتون، وَقَدْ كَانَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- جُمع له كمال نوعي الحياء، فكان فِي الحياء الغريزيّ أشدّ حياء منْ العذراء فِي خِدرها، وفي حيائه الكسبيّ فِي ذِرْوتها. انتهى "المفهم" ١/ ٢١٧ - ٢١٩.
وَقَالَ فِي "الفتح": [فإن قيل]: الحياء منْ الغرائز، فكيف جعل شعبة منْ الإيمان؟. [أجيب]: بأنه قد يكون غريزة، وَقَدْ يكون تخلقا، ولكن استعماله عَلَى وفق الشرع، يحتاج إلى اكتساب، وعلم، ونية، فهو منْ الإيمان لهذا، ولكونه باعثا عَلَى فعل الطاعة، وحاجزا عن فعل المعصية، ولا يقال: رُبَّ حياء يمنع عن قول الحق، أو فعل الخير؛ لأن ذاك ليس شرعيا.
[فإن قيل]: لِمَ أفرده بالذكر هنا؟. [أجيب]: بأنه كالداعي إلى باقي الشعب، إذ الْحَيِيُّ يخاف فضيحة الدنيا والآخرة، فيأتمر، وينزجر. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- متَّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -١٦/ ٥٠٠٦ و٥٠٠٧ و٥٠٠٨ - وأخرجه (خ) فِي "الإيمان" ٩ (م) فِي "الإيمان" ٣٥ (د) فِي "السنة" ٤٦٧٦ (ت) فِي "الإيمان" ٢٦١٤ (ق) فِي "المقدمة" ٥٧ (أحمد) فِي "باقي مسند المكثرين" ٨٧٠٧ و٩٠٩٧ و٩٤١٧. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان شعب الإيمان. (ومنها): أن الأعمال داخلة فِي مسمى الإيمان، وهو الحقّ الذي عليه أهل السنة والجماعة، وخالف فيه بعضهم، ولا اعتداد به، كما تقدّم بيانه مفصّلاً أول كتاب الإيمان. (ومنها): بيان عظم شأن الحياء، وأنه منْ أفضل الشعب إذ يدعو إلى بقية الشعب، فمن كَانَ حييّا
(١) حديث حسن أخرجه أحمد، ١/ ٣٨٧ والترمذيّ ٢٤٦٠.