قَالَ الحافظ: والاحتمال الأول جيد، ويحتمل أيضًا أن يكون قوله:"فضربه الحد"، أي رفعه إلى الأمير فضربه، فأسند الضرب إلى نفسه مجازا؛ لكونه كَانَ سبباً فيه.
وَقَالَ القرطبيّ: إنما أقام عليه الحد؛ لأنه جعل له ذلك منْ له الولاية، أو لأنه رأى أنه قام عن الإمام بواجب، أو لأنه كَانَ ذلك فِي زمان ولايته عَلَى الكوفة، فإنه وليها فِي زمن عمر، وصدرا منْ خلافة عثمان. انتهى.
قَالَ الحافظ: والاحتمال الثاني مُوجّه، وفي الأخير غفلة عما فِي أول الخبر أن ذلك كَانَ بحمص، ولم يلها ابن مسعود -رضي الله عنه-، وإنما دخلها غازيا، وكان ذلك فِي خلافة عمر.
وأما الجواب الثاني عن الرائحة، فيرده النقل عن ابن مسعود، أنه كَانَ يَرَى وجوب الحد بمجرد وجود الرائحة، وَقَدْ وقع مثل ذلك لعثمان -رضي الله عنه- فِي قصة الوليد بن عقبة. ووقع عند الإسماعيلي إِثر هَذَا الْحَدِيث النقلُ عن عليّ، أنه أنكر عَلَى ابن مسعود جلده الرجل بالرائحة وحدها، إذ لم يُقِرَّ، ولم يُشهَد عليه.
وَقَالَ القرطبيّ: فِي الْحَدِيث حجة عَلَى منْ يمنع وجوب الحد بالرائحة، كالحنفية، وَقَدْ قَالَ به مالك وأصحابه، وجماعة منْ أهل الحجاز.
قَالَ الحافظ: والمسألة خلافية، شهيرة، وللمانع أن يقول: إذا احتمل أن يكون أقرّ، سقط الاستدلال بذلك، ولما حكى الموفق فِي "المغني" الخلاف فِي وجوب الحد بمجرد الرائحة، اختار أن لا يُحَدَّ بالرائحة وحدها، بل لابد معها منْ قرينة، كأن يوجد سكران، أو يتقيأها، ونحوُهُ أن يوجد جماعة شهروا بالفسق، ويوجد معهم خمر، ويوجد منْ أحدهم رائحة الخمر.
وحكى ابن المنذر عن بعض السلف، أن الذي يجب عليه الحد بمجرد الرائحة، منْ يكون مشهورا بإدمان الخمر، وقيل بنحو هَذَا التفصيل فيمن شَكَّ وهو فِي الصلاة، هل خرج منه ريح، أو لا؟ فإن قارن ذلك وجود رائحة، دل ذلك عَلَى وجود الحدث فيتوضأ، وإن كَانَ فِي الصلاة فلينصرف، ويحمل ما ورد منْ ترك الوضوء مع الشك، عَلَى ما إذا تجرد الظن عن القرينة.
قَالَ: وأما الجواب عن الثالث، فجيد أيضًا، لكن يحتمل أن يكون ابن مسعود -رضي الله عنه- كَانَ لا يرى بمؤاخذة السكران بما يصدر منه منْ الكلام، فِي حال سكره. وَقَالَ القرطبيّ: يحتمل أن يكون الرجل كَذّب ابنّ مسعود -رضي الله عنه-، ولم يُكذِّب القرآن، وهو الذي يظهر منْ قوله: ما هكذا أُنزلت، فإن ظاهره أنه أثبت إنزالها، ونفي الكيفية التي