للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أخيه (١)، عَلَى أن له النصف مما يغنم، ولنا النصف، وإن كَانَ أحدنا ليطير له النصل والريش، وللآخر القِدْحُ (٢)، ثم قَالَ: قَالَ لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رُويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي، فأخبر النَّاس أنه منْ عَقَد لحيته، أو تقلد وترا، أو استنجى برجيع دابة، أو عظم، فإن محمدا -صلى الله عليه وسلم- منه بريء".

(إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَا رُوَيْفِعُ) بضمّ الراء، وكسر الفاء، مصغّرًا (لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي) "لعلّ" للترجّي، والمعنى أرجو أن تطول بك الحياة بعد موتي، فإذا طالت بك، ورأيت النَّاس، قد ارتكبوا أشياء منْ المخالفات، فأخبرهم، وَقَدْ حقّق الله تعالى له رجاء النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فطالت به الحياة، حَتَّى مات سنة (٥٦) بإفريقية، وهو آخر منْ مات بها منْ الصحابة -رضي الله عنهم-.

ويحتمل أن تكون "لعلّ" هنا للتحقيق، ففيه إخبار منه -صلى الله عليه وسلم- بالغيب، معجزةً له، فقد طالت به الحياة، كما أخبر النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، حَتَّى رآى كثيرًا منْ المخالفات (فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ) الضمير للشأن: أي أن الشأن والحال، وجملة قوله: (مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ) الخ تفسير للضمير، والعقد فِي الأصل الربط، يقال: عقدت الحبل عقداً، منْ باب ضرب: إذا ربطته. و"اللحية" بكسر اللام: شعر الخدّين، والذَّقَن، وتجمع عَلَى لِحًى بكسر اللام، كسدرة وسدَر، وبضمّها أيضًا، مثل حِلية وحُلًى. و"اللِّحَى": عظم الحنك الذي عليه الأسنان، وهو منْ الإنسان حيث ينبت الشعر، وهو أعلى، وأسفلُ.

و"عقد اللحية": قيل: هو معالجتها حَتَّى تتعقّد، وتتجعّد. وقيل: كانوا يعقدونها فِي الحروب، فأمرهم بإرسالها، كانوا يفعلون ذلك تكبّراً، وعُجباً. قاله فِي "النهاية" ٣/ ٢٧٠. وَقَالَ فِي "المرقاة": قَالَ الأكثرون: هو معالجتها، حتّى تتعقّد، وتتجعّد، وهذا مخالف للسنّة التي هي تسريح اللحية. وقيل: كانوا يعقِدونها فِي الحرب زمن الجاهليّة، فأمرهم -صلى الله عليه وسلم- بإرسالها؛ لما فِي عقدها منْ التشبّه بالنساء. وقيل: كَانَ ذلك منْ دأب العجم أيضاً، فنُهُوا عنه؛ لأنه تغيير لخلق الله عز وجل. وَقَالَ الأبهريّ: كَانَ منْ عادة العرب أن منْ له زوجة واحدة عقد عَقْدَةً واحدة صغيرة، ومن كَانَ له زوجتان عقد عقدتين. انتهى.

وذكر السيوطيّ فِي "شرحه" ٨/ ١٣٦ - فَقَالَ: وفي رواية لمحمد بن الربيع الجيزيّ فِي "كتاب منْ دخل مصر، منْ الصحابة": "منْ عقد لحيته فِي الصلاة". وَقَالَ ثابت بن


(١) "النضو" بالكسر: البعير المهزول، والمعنى أنه يستأجر البعير المهزول ليغزو عليه، فيغنم.
(٢) "النصل": حديدة السهم. و"الريش" بالكسر: سن السهم. و"القدح" بكسر، فسكون: خشب السهم.