قاسم السرقسطيّ فِي "كتاب الدلائل" فِي غريب الْحَدِيث: "منْ عقد لحيته"، وصوابه -والله أعلم-: "منْ عقد لحاء"، منْ قولك: لحيت الشجر، ولحوته: إذا قشرته، وكانوا فِي الجاهليّة يعقدون لحاء الحرم، فيقلّدونه أعناقهم، فيأمنون بذلك، وهو قوله تعالى:{لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ} الآية [المائدة: ٢]، فلما ظهر الإسلام نهي عن ذلك منْ فعلهم. وروى أسباط، عن السدّيّ فِي هذه الآية: أما شعائر الله، فحرم الله، وأما الهدي والقلائد، فإن العرب كانوا يقلّدون منْ لحاء الشجر، شجر مكة، فيقيم الرجل بمكة حَتَّى إذا انقضت الأشهر الحرم، وأراد أن يرجع إلى أهله، قلّد نفسه، وناقته منْ لحاء الشجر، فيأمن حَتَّى يأتي أهله.
قَالَ ابن دقيق العيد: وما أشبه ما قاله بالصواب، لكن لم نره فِي رواية مما وقفنا عليه. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي ادّعاه السرقسطي منْ تصحيف اللحية منْ اللحاء مما لا يُلتفت إليه، حيث لم يثبت رواية، كما قاله ابن دقيق العيد، فالصواب ما فِي الرواية، ولا حاجة إلى ما ذكره؛ فإن معنى الْحَدِيث صحيح، كما أسلفناه آنفاً. والله تعالى أعلم.
(أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا) أي جعل الوتر فِي عنقه، كالقلادة، و"الوتر" بفتحتين: ما يُشدّ به القوس، أو مطلق الحبل. وقيل: المراد به الخيط الذي يُعلّق فيه التمائم، أو خرزات؛ لدفع العين، والحفظ منْ الآفات، كانوا يعلّقونها فِي رقاب الأولاد، والخيل. وفي "شرح العينيّ": هي التمائم التي يشدّونها بالأوتار، وكانوا يرون أنها تعصمهم منْ الآفات، وتدفع عنهم المكاره، فأبطل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ذلك. انتهى. وَقَالَ أبو عُبيدة: الأشبه أنه نهى عن تقليد الخيل أوتار القسيّ، نُهُوا عن ذلك؛ إما لاعتقادهم أن تقليدها بذلك يدفع عنها العين، وإما لمخافة اختناقها به، لاسيما عند شدّة الركض، بدليل ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بقطع الأوتار عن أعناق الخيل؛ تنبيهاً أنها لا تردّ القدر. انتهى ملخّصاً. انتهى "المنهل العذب المورود فِي شرح سنن أبي داود" ١/ ١٣٦ - ١٣٧.
(أَوِ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ)"الرجيع": الروث، والْعَذِرة، سُمّي رجيعاً؛ لأنه رجع عن حالته الأولى، منْ كونه طعاماً، أو عَلَفًا. ونهي عن الاستنجاء بالروث؛ إما لكونه نجسًا، عند منْ يقول به، أو لكونه طعام دوابّ الجنّ، وهو أولى؛ لوروده عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقد أخرج أبو داود بسند صحيح، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، قَالَ: قَدِم وَفْد الجن عَلَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: يا محمد، انْهَ أمتك أن يستنجوا بعظم، أو روثة، أو حُمَمَة، فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقا، قَالَ: فنهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك.