قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: أخرج الحاكم منْ حديث عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما، قَالَ رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران"، لكن فِي سنده عبد الله بن مصعب الزبيريّ، وفيه ضعف. وأخرج الطبرانيّ منْ حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صبغ إزاره ورداءه بزعفران. وفيه راو مجهول. قاله فِي "الفتح" ١١/ ٤٨٨.
وأجاب ابن بطّال، وابن التين بأن النهي عن التزعفر مخصوص بالجسد، ومحمول عَلَى الكراهة؛ لأن تزعفر الجسد منْ الرفاهية التي نهى الشارع عنها، دون التحريم؛ لحديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أنه قدم عَلَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبه أثر صفرة: أي زعفران، كما فِي رواية، فلم ينكر عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا أمره بغسلها. انتهى. ذكره فِي "عون المعبود" ١١/ ٧٧.
وَقَالَ فِي "الفتح" عند شرح قصة عبد الرحمن بن عوف أنه تزوّج امرأة، فجاء إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وبه أثر صفرة … الْحَدِيث: ما نصّه: واستدل به عَلَى جواز التزعفر للعروس، وخص به عموم النهي عن التزعفر للرجال. وتُعُقّب باحتمال أن تكون تلك الصفرة كانت فِي ثيابه، دون جسده، وهذا الجواب للمالكية، عَلَى طريقتهم فِي جوازه فِي الثوب، دون البدن، وَقَدْ نقل ذلك مالك عن علماء المدينة، وفيه حديث أبي موسى -رضي الله عنه-، رفعه: "لا يقبل الله صلاة رجل فِي جسده شيء منْ خلوق"، أخرجه أبو داود، فإن مفهومه أن ما عدا الجسد لا يتناوله الوعيد، ومنع منْ ذلك أبو حنيفة، والشافعي، ومن تبعهما فِي الثوب أيضًا، وتمسكوا بالأحاديث فِي ذلك، وهي صحيحة، وفيها ما هو صريح فِي المدعى.
وعلى هَذَا فأجيب عن قصة عبد الرحمن بأجوبة:
[أحدها]: أن ذلك كَانَ قبل النهي، وهذا يحتاج إلى تاريخ، ويؤيده أن سياق قصة عبد الرحمن، يشعر بأنها كانت فِي أوائل الهجرة، وأكثر منْ رَوَى النهي ممن تأخرت هجرته.
[ثانيها]: أن أثر الصفرة التي كانت عَلَى عبد الرحمن، تعلقت به منْ جهة زوجته، فكان ذلك غير مقصود له، ورجحه النوويّ، وعزاه للمحققين، وجعله البيضاوي أصلا رد إليه أحد الاحتمالين أبداهما فِي قوله: "مهيم؟ "، فَقَالَ: معناه: ما السبب فِي الذي أراه عليك؟، فلذلك أجاب بأنه تزوج، قَالَ: ويحتمل أن يكون استفهام إنكار؛ لما تقدّم منْ النهي عن التضمخ بالخلوق، فأجاب بقوله: "تزوجت"، أي فتعلق بي منها، ولم أقصد إليه.