[ثالثها]: أنه كَانَ قد احتاج إلى التطيب للدخول عَلَى أهله، فلم يجد منْ طيب الرجال حينئذ شيئا، فتطيب منْ طيب المرأة، وصادف أنه كَانَ فيه صفرة، فاستباح القليل منه عند عدم غيره؛ جمعا بين الدليلين، وَقَدْ ورد الأمر فِي التطيب للجمعة، ولو منْ طيب المرأة، فبقي أثر ذلك عليه.
[رابعها]: كَانَ يسيرا، ولم يبق إلا أثره، فلذلك لم ينكر.
[خامسها]: وبه جزم الباجي: أن الذي يُكره منْ ذلك ما كَانَ منْ زعفران، وغيره منْ أنواع الطيب، وأما ما كَانَ ليس بطيب، فهو جائز.
[سادسها]: أن النهي عن التزعفر للرجال، ليس عَلَى التحريم، بدلالة تقريره لعبد الرحمن بن عوف فِي هَذَا الْحَدِيث.
[سابعها]: أن العروس يستثنى منْ ذلك، ولاسيما إذا كَانَ شابا، ذكر ذلك أبو عبيد، قَالَ: وكانوا يرخصون للشاب فِي ذلك أيام عرسه، قَالَ: وقيل: كَانَ فِي أول الإسلام منْ تزوج لبس ثوبا مصبوغا، علامة لزواجه؛ ليعان عَلَى وليمة عرسه، قَالَ: وهذا غير معروف.
قَالَ الحافظ: وفي استفهام النبيّ -صلى الله عليه وسلم- له عن ذلك، دلالة عليّ أنه لا يختص بالتزويج، لكن وقع فِي بعض طرقه، عند أبي عوانة، منْ طريق شعبة، عن حميد، بلفظ:"فأتيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فرأى عليّ بشاشة العرس، فَقَالَ: أتزوجت؟، قلت: تزوجت امرأة منْ الأنصار"، فقد يتمسك بهذا السياق للمدعى، ولكن القصة واحدة، وفي أكثر الروايات أنه قَالَ له:"مهيم؟ " أو "ما هَذَا؟ "، فهو المعتمد. و"بشاشة العرس": أثره، وحسنه، أو فرحه، وسروره، يقال: بشَّ فلان بفلان: أي أقبل عليه فرحا به، ملطفا به. انتهى "الفتح" ١٠/ ٢٩٤ - ٢٩٥ "كتاب النكاح".
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن الأقرب كون هَذَا الذي فِي قصّة عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- علِق به منْ امرأته، ولم يفعله قصداً، كما رجحه النوويّ، وعزاه للمحققين، وأيضًا أنه كَانَ فِي ثيابه، لا فِي جسده، والكراهة لمن تزعفر فِي بدنه أشدّ منْ الكراهة لمن تزعفر فِي ثوبه، وَقَدْ أخرج أبو داود، والترمذيّ فِي "الشمائل"، والنسائيّ فِي "الكبرى" منْ طريق سَلْم العلويّ، عن أنس -رضي الله عنه- قَالَ: دخل رجلٌ عَلَى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وعليه أثر صفرة، فكره ذلك، وقلّما كَانَ يواجه أحداً بشيء يكرهه، فلما قام، قَالَ: لو أمرتم هَذَا أن يترك هذه الصفرة". وسلم -بفتح المهملة، وسكون اللام- فيه لين. ولأبي داود منْ حديث عمّار -رضي الله عنه-، رفعه: "لا تحضر الملائكة جنازة كافر، ولا متضمّخ بالزعفران". وأخرج أيضًا منْ حديث عمّار -رضي الله عنه-، قَالَ: قدِمت عَلَى أهلي