للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قمار، وهذا قول أبي حنيفة، ومالك، وظاهر مذهب الشافعيّ، قَالَ مالك: منْ لعب بالنرد، والشطرنج فلا أرى شهادته طائلة؛ لأن الله تعالى قَالَ: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} الآية [يونس: ٣٢] وهذا ليس منْ الحق، فيكون منْ الضلال.

قَالَ: فأما الشطرنج، فهو كالنرد فِي التحريم، إلا أن النرد آكد منه فِي التحريم؛ لورود النص فِي تحريمه، لكن هَذَا فِي معناه، فيثبت فيه حكمه؛ قياسا عليه. وذكر القاضي أبو حسين، ممن ذهب إلى تحريمه عليّ بنَ أبي طالب، وابن عمر، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والقاسم، وسالما، وعروة، ومحمد بن عليّ بن الحسين، ومطرا الوراق، ومالكا، وهو قول أبي حنيفة، وذهب الشافعيّ إلى إباحته، وحكى ذلك أصحابه عن أبي هريرة، وسعيد بن المسميب، وسعيد بن جبير، واحتجوا بأن الأصل الإباحة، ولم يرد بتحريمها نص، ولا هي فِي معنى المنصوص عليه، فتبقى عَلَى الإباحة، ويفارق الشطرنج النرد منْ وجهين: [أحدها]: أن فِي الشطرنج تدبير الحرب، فأشبه اللعب بالحراب، والرمي بالنشاب، والمسابقة بالخيل. [والثاني]: أن المعول فِي النرد ما يخرجه الكعبتان (١)، فأشبه الأزلام، والمعول فِي الشطرنج عَلَى حذقه، وتدبيره، فأشبه المسابقة بالسهام.

ولنا قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} الآية [المائدة: ٩٠] قَالَ عليّ رضي الله عنه: الشطرنج منْ الميسر. ومر عليّ رضي الله عنه عَلَى قوم يلعبون بالشطرنج، فَقَالَ: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: ٥٢]، قَالَ أحمد: أصح ما فِي الشطرنج قول عليّ رضي الله عنه. ورَوَى واثلة ابن الأسقع رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله عز وجل ينظر فِي كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة، ليس لصاحب الشاه (٢) فيها نصيب"، رواه أبو بكر بإسناده (٣) ولأنه لعب يصدّ عن ذكر الله تعالى، وعن الصلاة، فأشبه اللعب بالنرد.

وقولهم: لا نص فيها قد ذكرنا ليها نصا، وهي أيضًا فِي معنى النرد المنصوص عَلَى تحريمه، وقولهم: إن فيها تدبير الحرب. قلنا لا يُقصد هَذَا منها، وأكثر اللاعبين بها إنما يقصدون منها اللعب، أو القمار. وقولهم: إن المعول فيها عَلَى تدبيره، فهذا أبلغ فِي


(١) كتب فِي هامش "المغني": ما نصّه: الكعبة فِي النرد: ما يُعرف اليوم بالزهرة، وهي قطعة مكعّبة يبين عَلَى كلّ وجه منها نقاط تمثل رقماً. انتهى.
(٢) يعني الشطرنج.
(٣) رواه ابن حبّان فِي "المجروحين" ٢/ ٢٩٧ وابن الجوزيّ فِي "العلل المتناهية" ٢/ ٢٩٧ فِي سنده خذام بن يحيى قَالَ الدارقطنيّ: لا أعرفه.