"الرقي إلا بالمعوذات"، وعبد الرحمن بن حرملة، قَالَ البخاريّ: لا يصح حديثه، وَقَالَ الطبري: لا يحتج بهذا الخبر؛ لجهالة راويه، وعلى تقدير صحته، فهو منسوخ بالإذن فِي الرقية بفاتحة الكتاب، وأشار المهلب إلى الجواب عن ذلك، بأن فِي الفاتحة معنى الاستعاذة، وهو الاستعانة، فعلى هَذَا يختص الجواز بما يشتمل عَلَى هَذَا المعنى.
وَقَدْ أخرج الترمذيّ، وحسنه، والنسائي (١) منْ حديث أبي سعيد: كَانَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ منْ الجان، وعين الإنسان، حَتَّى نزلت المعوذات، فأخذ بها، وترك ما سواها.
وهذا لا يدلّ عَلَى المنع منْ التعوذ، بغير هاتين السورتين، بل يدلّ عَلَى الأولوية، ولاسيما مع ثبوت التعوذ بغيرهما، وإنما اجتزأ بهما؛ لما اشتملتا عليه منْ جوامع الاستعاذة منْ كل مكروه، جملة وتفصيلاً.
وَقَدْ أجمع العلماء عَلَى جواز الرقَى، عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى، أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي، أو بما يعرف معناه منْ غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بذات الله تعالى، واختلفوا فِي كونها شرطا، والراجح أنه لابد منْ اعتبار الشروط المذكورة، ففي "صحيح مسلم"، منْ حديث عوف بن مالك -رضي الله عنه-، قَالَ: كنا نرقِي فِي الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كيف ترى فِي ذلك؟ فَقَالَ:"اعرضوا عليّ رُقاكم، لا بأس بالرقى، ما لم يكن فيه شرك"، وله منْ حديث جابر -رضي الله عنه-: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرقَى، فجاء آل عمرو بن حزم، فقالوا: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنه كانت عندنا رقية، نرقي بها منْ العقرب، قَالَ: فعرضوا عليه، فَقَالَ: ما أرى بأسا، منْ استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه".
وَقَدْ تمسك قوم بهذا العموم، فأجازوا كل رقية، جُرِّبت منفعتها، ولو لم يُعقل معناها، لكن دل حديث عوف -رضي الله عنه- أنها مهما كَانَ منْ الرقَى يؤدي إلى الشرك يمنع، وما لا يعقل معناه، لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك، فيمتنع احتياطا. والشرط الآخر لابد منه.
وَقَالَ قوم: لا تجوز الرقية، إلا منْ العين واللدغة؛ لحديث عمران بن حصين: "لا رقية إلا منْ عين، أو حمة".
وأجيب: بأن معنى الحصر فيه أنهما أصل كل ما يحتاج إلى الرقية، فيلتحق بالعين جواز رقية منْ به خَبَل، أو مَسّ، ونحو ذلك؛ لاشتراكها فِي كونها تنشأ عن أحوال