للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: "إن الله أحل لإناث أمتي الحرير والذهب، وحرمه عَلَى ذكورها" (١). ورويناه أيضًا منْ طريق حماد بن سلمة، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفيّ، وأبي معاوية الضرير، وحماد بن مسعدة، كلهم عن عبيد الله بن عمر بإسناده، إلا أنهم اقتصروا عَلَى ذكر الحرير فقط، إلا حماد بن سلمة، فإنه ذكر الحرير والذهب. ورويناه أيضًا منْ طريق سعيد بن أبي عروبة، ومعمر كلاهما عن أيوب السختياني، عن نافع بإسناده، وذكر الحرير والذهب، وهو أثر صحيح؛ لأن سعيد بن أبي هند ثقة مشهور، رَوَى عنه نافع، وموسى بن ميسرة. ومن طريق أبي داود، نا أحمد بن حنبل، نا يعقوب هو ابن إبراهيم بن سَعْد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف، نا أبي، عن ابن إسحاق، قَالَ: إن نافعا مولى ابن عمر حدثني، عن عبد الله ابن عمر قَالَ: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نهى النِّساء فِي إحرامهن عن القفازين والنقاب، وما مس الورس أو الزعفران منْ الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت منْ معصفر، أو حذاء، أو حلى، أو سراويل، أو قميص، أو خف، فعم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لها جميع الحلى، ولو كَانَ الذهب حراما عليهن لبينه عليه الصلاة والسلام بلا شك، فإذ لم ينص عَلَى منعه، فهذا حلال لهن. وبالله تعالى التوفيق.

وبهذا تقول جماعة منْ السلف، روينا منْ طريق حماد بن سلمة، وقتادة، قَالَ قتادة: عن عليّ بن عبد الله البارقي، وَقَالَ حماد: عن عقبة بن وشاح، كلاهما عن ابن عمر، أنهما سألاه عن الحرير والذهب، فَقَالَ: يكرهان للرجال، ولا يكرهان للنساء. ومن طريق شعبة، عن سليمان بن أبي المغيرة البزار، عن سعيد بن جبير، قَالَ: رأى حذيفة صبيانا، عليهم قمص حرير، فنزعه عن الغلمان، وأمر بنزعه عنهم، وتركه عَلَى الجواري. وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، ومالك، وأبي سليمان -يعني داود الظاهريّ- وأصحابه. انتهى كلام ابن حزم رحمه الله تعالى (٢).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما سبق منْ البحث فِي أقوال أهل العلم وأدلّتهم أن ما ذهب إليه الجمهور منْ جواز التحلّي بالذهب مطلقًا هو الحقّ؛ لقوة أدلّته الكثيرة:

(فمنها): قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: ١٨] قَالَ ابن عباس وغيره: هن الجواري زيّهنّ غير زيّ الرجال. وَقَالَ مجاهد: رُخّص للنساء فِي الذهب والحرير، وقرأ هذه الآية. وَقَالَ إِلْكِيا: فيه دلالة عَلَى


(١) راجع "السنن الكبرى" للنسائيّ ٥/ ٤٣٧ رقم ٩٤٤٩.
(٢) راجع "المحلّى" ١٠/ ٨٢/ ٨٦.