فشيخ، والليث وابن وهب ثقتان، متقنان، صاحبا كتاب، فلا تُقبل زيادة ابن أبي أويس عن سليمان إذا انفرد بها، فإن كَانَ مسلم أجاز هَذَا، فقد ناقض فِي حديثه بهذا الإسناد، رواه ثقتان حافظان، عن عمرو بن الحارث، عن الزهريّ، عن أنس، فزاد أحدهما عَلَى الآخر زيادة حسنة، غير منكرة، فأخرج الْحَدِيث الناقص دون التام، والرجلان موسى ابن أعين، وعبد الله بن وهب، روياه عن الزهريّ، عن أنس، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إذا وضع العشاء -زاد موسى- وأحدكم صائم، فابدؤا به قبل أن تصلوا"، فأخرج حديث ابن وهب، ولم يخرج حديث موسى، اللَّهم إلا أن يكون لم يبلغه حديث موسى بن أعين، الذي فيه الزيادة، فيكون عذرا له فِي تركه.
وأما حديث الخاتم، فقد رواه جماعة عن الزهريّ حفاظ، منهم زياد بن سعد، وعُقيل، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، وإبراهيم بن سعد، وابن أخي الزهريّ، وشعيب، وموسى بن عقبة، وابن أبي عَتيق، وغيرهم، ولم يقل أحد منهم:"فِي يمينه"، هَذَا آخر كلامه، وهذا فصل مفيد جدًّا.
وَقَدْ كَانَ الدارقطنيّ رضي الله عنه منْ أئمة هَذَا الشأن، ونُقّاده وبالخصوص فِي معرفة العلل، فإنه مُقدم فيها عَلَى أقرانه.
ويمكن أن يقال: إن مسلما قد أخرج حديث إبراهيم بن سعد، وزياد بن سعد، عن الزهريّ، وليس فيهما ذكر الزيادة، وأخرج أيضًا حديث عبد الله بن وهب، عن يونس ابن يزيد، وليس فيه ذكر الزيادة، وأتى بحديث الزيادة بعد ذلك؛ ليبين اطّلاعه عَلَى ألفاظ الْحَدِيث، واختلاف الرواة، وجاء به فِي الطبقة الثانية.
وأما إسماعيل ابن أبي أويس، فإن البخاريّ ومسلما، قد حَدّثا عنه فِي "صحيحيهما"، محتجين، وروى مسلم عن رجل عنه، وهذا فِي غاية التعظيم له، ولم يُؤَثّر عندهما ما قيل فيه.
وطلحة بن يحيى، قد احتج به مسلم، فالحديث ثابت عَلَى شرطه، عَلَى ما قد قررناه، والزيادة منْ الثقة مقبولة، وهما عنده ثقتان.
وأما إخراج مسلم الزيادة فِي حديث الخاتم، وتركه الزيادة فِي حديث العَشَاء، ففيه ما يدلّ عَلَى تبحره فِي هَذَا الشأن، وجودة قريحته، فإن الزيادة فِي حديث الخاتم، لها شواهد، منها: حديث نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:"أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صنع خاتما منْ ذهب، فتختم به فِي يمينه، ثم جلس عَلَى المنبر … " الْحَدِيث، أخرجه الترمذيّ، وَقَالَ: حسن صحيح. وَقَدْ رُوي هَذَا الْحَدِيث عن نافع، عن ابن عمر، نحو هَذَا منْ غير هَذَا الوجه، ولم يذكر فيه أنه تختم فِي يمينه. ومنها: حديث حماد بن سلمة، قَالَ: