يريد أن ما جاء به منْ الذهب، فهو جمر عَلَى هَذَا، فأشار -صلى الله عليه وسلم- إلى أنه جمرٌ فِي حقّ منْ يراه أحسن منْ حجارة الحرّة، فيتزيّن به، وأما منْ يراه مثله، وإنما يَقضى به حاجته الدنيويّة، فلا يكون فِي حقّه جمرًا. انتهى (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّ مَا جِئْتَ بِهِ لَيْسَ بِأَجْزَأَ عَنَّا مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَّةِ) قَالَ السنديّ: "أجزأ" اسم تفضيل منْ الإجزاء. انتهى فيه أن اسمي التفضيل والتعجب لا يُبنيان منْ أكثر منْ الثلاثي، قَالَ ابن مالك فِي "الخلاصة" مبيّنًا شروط بناء فعل التعجّب، وهي أيضًا شروط أفعل التفضيل:
والأولى هنا أن يقال: إنه منْ جزأ ثلاثيّا، يقال: جزأت الإبل بالرَّطْب عن الماء: إذا اكتفت، وقَنِعت به، كجَزِئَت بالكسر، أفاده فِي "القاموس"، و"اللسان"، والمعنى أن الذي أتيت به منْ الذهب ليس بأقنع، وأنفع منّا منْ حجارة الحرّة. والله تعالى أعلم.
والحرّة هذه أرضٌ بظاهر المدينة، بها حجارة سُود كثيرةٌ، وكانت بها الوقعة المشهورة فِي الإسلام، أيام يزيد بن معاوية، لَمّا انتهب عسكره منْ أهل الشام الذين نَدَبهم لقتال أهل المدينة، منْ الصحابة والتابعين، وأمّر عليهم مسلم بن عُقبة الْمُرّيّ فِي ذي الحجة سنة (٦٣)، وعقبها هلك يزيد. ذكره فِي "النهاية" ١/ ٣٦٥.
(وَلَكِنَّهُ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) أي ما يُتمتّع به فِي الحياة الدنيا، ولا يتعدّاها إلى الآخرة، و"المتاع" فِي اللغة: كل ما يُنتفع به، كالطعام، والبزّ، وأثاث البيت، وأصل "المتاع": ما يُتبلّغ به منْ الزاد، وهو اسم مِن متّعته بالتثقيل: إذا أعطيتَه ذلك، والجمع أمتعة. قاله الفيّوميّ (قَالَ) الرجل (فَمَاذَا أَتَخَتَّمُ؟) وفي نسخة: "مما أتختّم": أي منْ أيّ نوع أتّخذ خاتما؟ (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (حَلْقَةً) بالنصب أي اتخذ حلقة، ويحتمل الرفع: أي الجائز حلقةٌ.
و"الحلقة" -بفتح الحاء المهملة، وسكون اللام، وحكي فتحها، قَالَ فِي "القاموس": وحلْقةُ الباب، والقوم، وَقَدْ تُفتح لامهما، وتُكسر، أو ليس فِي الكلام "حَلَقَةٌ" محرّكةً، إلا جمعُ حالق، أو لغةٌ ضعيفة، والجمع حَلَقٌ، محرّكةً، وكَبِدَرٍ، وحَلَقاتٌ، محرّكةً، وتكسر الحاء. انتهى.
(مِنْ حَدِيدٍ، أَوْ وَرِقٍ) أي فضة (أَوْ صُفْرٍ) بضم، فسكون: أي نحاس. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.