وابن إسحاق، وهمّام، لا يستطيع أحدٌ أن يراجعه فيهم. وَقَالَ يزيد بن زُريع -وسئل عن همّام-: كتابه صالح، وحفظه لا يسوى شيئًا. وَقَالَ عقان: كَانَ همّام لا يكاد يرجع إلى كتابه، ولا ينظر فيه، وكان يخالف، فلا يرجع إلى كتاب، وكان يكره ذلك، قَالَ: ثم رجع بعدُ، فنظر فِي كتبه، فَقَالَ: يا عفّان كنّا نُخطيء كثيرًا، فنستغفر الله عَزَّ وجل، ولا ريب أنه ثقة صدوقٌ، ولكنه خُولف فِي هَذَا الْحَدِيث، فلعلّه مما حدّث به منْ حفظه، فغلط فيه، كما قَالَ أبو داود، والنسائيّ، والدارقطنيّ، وكذلك ذكر البيهقيّ أن المشهور عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهريّ، عن أنس: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- اتّخذ خاتماً منْ ورِقٍ، ثم ألقاه، وعلى هَذَا فالحديث شاذّ، أو منكر، كما قَالَ أبو داود، وغريبٌ، كما قَالَ الترمذيّ.
[فإن قيل]: فغاية ما ذُكر فِي تعليله تفرّد همّام به؟. [وجواب هَذَا]: منْ وجهين: أحدهما: أن همّاماً لم ينفرد به، كما تقدّم. الثاني: أن هَمَّامًا ثقة، وتفرّد الثقة لا يوجب نكارة الْحَدِيث، فقد تفرّد عبد الله بن دينار بحديث النهي عن بيع الولاء وهبته، وتفرّد مالك بحديث دخول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مكة، وعلى رأسه المِغفَر، فهذا غايته أن يكون غريبًا، كما قَالَ الترمذيّ، وأما أن يكون منكرًا، أو شاذًّا فلا.
[قيل]: التفرّد نوعان: تفرّد لم يُخالف فيه منْ تفرّد به، كتفرّد مالك، وعبد الله بن دينار بهذين الحديثين، وأشباه ذلك. وتفرّد خولف فيه المتفرّد، كتفرّد همام بهذا المتن عَلَى هَذَا الإسناد، فإن النَّاس خالفوه فيه، وقالوا:"إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- اتخذ خاتماً منْ ورق … " الْحَدِيث، فهذا هو المعروف، عن ابن جريج، عن الزهريّ، فلو لم يرو هَذَا عن ابن جريج، وتفرّد همام بحديثه لكان نظير حديث عبد الله بن دينار، ونحوه، فينبغي مراعاة هَذَا الفرق، وعدم إهماله.
وأما متابعة يحيى بن المتوكل، فضعيفة، وحديث ابن الضّريس يُنظر فِي حاله، ومن أخرجه.
[فإن قيل]: هَذَا الْحَدِيث كَانَ عند الزهريّ عَلَى وجوه كثيرة، كلّها قد رُويت عنه فِي قصّة الخاتم، فروى شعيب بن أبي حمزة، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن الزهريّ كرواية زياد بن سعد هذه:"أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- اتّخذ خاتمًا منْ ورق"، ورواه يونس بن يزيد، عن الزهريّ، عن أنس:"كَانَ خاتم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منْ ورِق فصّه حبشيّ"، ورواه سليمان بن بلال، وطلحة بن يحيى، ويحيى ين نصر بن حاجب، عن يونس، عن الزهريّ، وقالوا:"إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لبس خاتماً منْ فضّة فِي يمينه، فيه فصّ حبشيّ، جعله فِي باطن كفّه"، ورواه إبراهيم بن سعد، عن الزهريّ بلفظ آخر قريب منْ هَذَا، ورواه