للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عن زياد بن سعد، عن ابن شهاب، أنه سمعه يقول: "سدل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناصيته، ما شاء الله، ثم فرق بعد ذلك". انتهى.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الوصل أرجح منْ الإرسال هنا؛ لأن الذي وصله يونس، كما هنا، وإبراهيم بن سعد، كما عند البخاريّ، وهما ثقتان ثبتان، وإن كَانَ مالك، ومعمر كذلك أيضًا، إلا أن معهما زيادة علم، فوجب قبولها، ولذلك اتفق الشيخان عَلَى إخراج الْحَدِيث فِي "صحيحيهما". والله تعالى أعلم.

(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَسْدُلُ شَعْرَهُ) منْ بابي نصر، وضرب، قَالَ فِي "القاموس": سدل الشعر يسدِله -أي بالكسر- ويسدُله -أي بالضمّ- وأسدله: أرخاه، وأرسله. انتهى. والسدلُ: إرسال الشعر حول الرأس، منْ غير أن يُقسّم بنصفين.

(وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ شُعُورَهُمْ) منْ بابي نصر، وضرب أيضاً، وَقَالَ فِي "المصباح": فرقتُ بين الشيء فَرْقاً، منْ باب قتل: فصلت أبعاضه، وفرَقتُ بين الحقّ والباطل: فصلت أيضًا، هذه هي اللغة العالية، وبها قرأ السبعة فِي قوله تعالى: {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: ٢٥]، وفي لغة منْ باب ضرب، وقرأ بها بعض التابعين. انتهى. وَقَالَ فِي "الفتح": قوله: "يفرقون": هو بسكون الفاء، وضم الراء، وَقَدْ شددها بعضهم، حكاه عياض، قَالَ: والتخفيف أشهر. انتهى.

والفرق أن يقسم الشعر نصفين: نصفه منْ يمينه عَلَى الصدر، ونصفه منْ يساره عليه (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ) وفي رواية معمر: "وكان إذا شك فِي أمر، لم يؤمر فيه بشيء، صنع ما يصنع أهل الكتاب". زاد فِي رواية البخاريّ: "وكان أهل الكتاب يسدُلون أشعارهم"، قَالَ فِي "الفتح": بسكون السين، وكسر الدال المهملتين: أي يرسلونها. انتهى. وَقَالَ النوويّ: قَالَ أهل اللغة: يقال: سدل يسدُل، ويسدِل بضمّ الدال، وكسرها. انتهى، وما قاله أهل اللغة هو المتّبع، فيجوز الوجهان فِي داله، فتنبّه.

(ثُمَّ فَرَقَ) بتخفيف الراء عَلَى الأشهر، منْ بابي نصر، وضرب (رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ ذَلِكَ) وفي رواية معمر: "ثم أُمر بالفرق، ففرق"، وكان الفرق آخر الأمرين.

قَالَ فِي "الفتح": وكأن السر فِي ذلك أن أهل الأوثان، أبعد عن الإيمان، منْ أهل الكتاب، ولأن أهل الكتاب يتمسكون بشريعة فِي الجملة، فكان يُحب موافقتهم؛ ليتألفهم ولو أدت موافقتهم إلى مخالفة أهل الأوثان، فلما أسلم أهل الأوثان الذين معه والذين حوله، واستمر أهل الكتاب عَلَى كفرهم، تمحضت المخالفة لأهل الكتاب.

وَقَالَ عياض: سَدْلُ الشعر إرساله، يقال: سدل شعره، وأسدله، إذا أرسله، ولم