للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يضم جوانبه، وكذا الثوب. والفرق تفريق الشعر، بعضِهِ منْ بعض، وكشفه عن الجبين، قَالَ: والفرق سنة؛ لأنه الذي استقر عليه الحال، والذي يظهر أن ذلك وقع بوحي؛ لقول الراوي فِي أول الْحَدِيث: "إنه كَانَ يحب موافقة أهل الكتاب، فيما لم يؤمر فيه بشيء"، فالظاهر أنه فرق بأمر منْ الله، حَتَّى ادعى بعضهم فيه النسخ، ومنع السدل، واتخاذ الناصية، وحكى ذلك عن عمر بن عبد العزيز.

وتعقبه القرطبيّ بأن الظاهر، أن الذي كَانَ -صلى الله عليه وسلم- يفعله، إنما هو لأجل استئلافهم، فلما لم ينجع فيهم، أحب مخالفتهم، فكانت مستحبة، لا واجبة عليه، وقول الراوي: "فيما لم يؤمر فيه بشيء": أي لم يطلب منه، والطلب يشمل الوجوب والندب، وأما توهم النسخ فِي هَذَا، فليس بشيء؛ لإمكان الجمع، بل يحتمل أن لا يكون الموافقة والمخالفة حكما شرعيا، إلا منْ جهة المصلحة، قَالَ: ولو كَانَ السدل منسوخا، لصار إليه الصحابة، أو أكثرهم، والمنقول عنهم أن منهم منْ كَانَ يفرق، ومنهم منْ كَانَ يسدل، ولم يعب بعضهم عَلَى بعض، وَقَدْ صح أنه كانت له -صلى الله عليه وسلم- لِمّة، فإن انفرقت فرقها، وإلا تركها، فالصحيح أن الفرق مستحب، لا واجب، وهو قول مالك، والجمهور.

قَالَ الحافظ: وَقَدْ جزم الحازمي بأن السدل نسخ بالفرق، واستدل برواية معمر التي أشرت إليها قبلُ، وهو ظاهر.

وَقَالَ النوويّ: الصحيح المختار جواز السدل والفرق، وأن الفرق أفضل. والله أعلم.

قَالَ: واختلفوا فِي معنى قوله: يحب موافقة أهل الكتاب فقيل: فعله اسئتلافاً لهم فِي أول الاسلام، وموافقة لهم عَلَى مخالفة عبدة الأوثان، فلما أغنى الله تعالى عن استئلافهم، وأظهر الإسلام عَلَى الدين كله صرّح بمخالفتهم فِي غير شيء، منها صبغ الشيب. وَقَالَ آخرون: يحتمل أنه أُمر باتباع شرائعهم فيما لم يوح إليه شيء، وإنما كَانَ هَذَا فيما عَلِم أنهم لم يبدلوه.

واستدل به بعضهم، عَلَى أن شرع منْ قبلنا شرع لنا، حَتَّى يرد فِي شرعنا ما يخالفه، وعكس بعضهم، فاستدل به عَلَى أنه ليس بشرع لنا؛ لأنه لو كَانَ كذلك، لم يقل: "يحب"، بل كَانَ يتحتم الاتباع، والحق أن لا دليل فِي هَذَا عَلَى المسألة؛ لأن القائل به يقصره عَلَى ما ورد فِي شرعنا أنه شرع لهم، لا ما يؤخذ عنهم هم، إذ لا وثوق بنقلهم. والذي جزم به القرطبيّ أنه كَانَ يوافقهم لمصلحة التأليف محتمل، ويحتمل أيضًا، وهو أقرب أن الحالة التي تدور بين الأمرين، لا ثالث لهما، إذا لم ينزل عَلَى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-