ابن معاوية، ينسب إلى كندة، وكان نصرانيا، وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أرسل إليه خالد بن الوليد فِي سرية، فأسره، وقتل أخاه حسان، وقدم به المدينة، فصالحه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الجزية، وأطلقه، ذكر ابن إسحاق قصته مطولة فِي "المغازي". ورَوَى أبو يعلى بإسناد قوي، منْ حديث قيس بن النعمان: أنه لَمّا قَدِم أخرج قباء منْ ديباج، منسوجا بالذهب، فرَدّه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عليه، ثم إنه وجد فِي نفسه منْ رد هديته، فرجع به، فَقَالَ له النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "ادفعه إلى عمر … " الْحَدِيث. وفي حديث عليّ عند مسلم:"أن أكيدر دومة أهدى للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ثوب حرير، فأعطاه عليا، فَقَالَ: شققه خمرا بين الفواطم".
فيستفاد منه أن الحلة التي ذكرها عليّ -رضي الله عنه- فِي حديثه السابق هي هذه التي أهداها أُكيدر. انتهى "فتح""كتاب الهبة" ٥/ ٥٥٢ ببعض تصرّف.
وَقَالَ النوويّ فِي شرحه:"وأما أُكيدر" -فهو بضم الهمزة، وفتح الكاف- وهو أُكيدر ابن عبد الملك الكنديّ، قَالَ الخطيب البغداديّ فِي كتابه "المبهمات": كَانَ نصرانيًّا، ثم أسلم، قَالَ: وقيل: بل مات نصرانيّا. وَقَالَ ابن منده، وأبو نُعيم الأصبهانيّ فِي كتابيهما فِي معرفة الصحابة: إن أُكيدراً هَذَا أسلم، وأهدى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلّة سيراء. قَالَ ابن الأثير فِي كتابه "معرفة الصحابة": أما الهديّة، والمصالحة، فصحيحان، وأما الإسلام فغلط، قَالَ: لأنه لم يُسلم بلا خلاف بين أهل السير، ومن قَالَ: أسلم فقد أخطأ خطأ فاحشًا، قَالَ: وكان أكيدر نصرانيًّا، فلما صالحه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عاد إلى حصنه، وبقي فيه، ثم حاصره خالد بن الوليد فِي زمان أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه-، فقتله مشركًا نصرانيًّا -يعني لنقضه العهد- قَالَ: وذكر البلاذري أنه قدم عَلَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعاد إلى دومة، فلما توفّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ارتدّ أكيدر، فلما سار خالد منْ العراق إلى الشام قتله. وعلى هَذَا القول لا ينبغي عدّه فِي الصحابة. هَذَا كلام ابن الأثير. انتهى "شرح مسلم" ١٤/ ٥٠.
(بَعْثًا) أي جيشًا، تسميةً بالمصدر، إذ أصله مصدر بعث، منْ باب نفع، وجمعه بُعُوثٌ، وذلك البعث هو خالد بن الوليد، كما سبق آنفاً (فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ) أي إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ)"الْجُبّة" بضم الجيم، وتشديد الموحّدة-: ثوب معروفٌ، جمعه جُبَبٌ، بضم، ففتح، كغرفة وغُرف، وجِباب بالكسر (مَنْسُوجَةٍ، فِيهَا الذَّهَبُ) يعني أن تلك الجبّة نُسجت مخلوطةً بالذهب. وفي رواية الشيخين:"أُهدي للنبي -صلى الله عليه وسلم- جبة سُندس"، وفي حديث البراء -رضي الله عنه- عندهما:"أُهديت لرسول الله حُلّة حرير .. " الْحَدِيث.
قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: رواية "جبة سندس" أوجه، وأصوب؛ لأن الحلّة لا تكون عند العرب ثوبًا واحدًا، وإنما هي لباس ثوبين، يحُلّ أحدهما عَلَى الآخر، وأن الثوب الفرد لا يُسمّى حُلّةً. وَقَدْ جاء فِي "السير" أنها قباء منْ ديباج، مخوّصٌ بالذهب.