وَقَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: قوله: "حلّة حرير"، وفي الرواية الأخرى:"ثوب حرير"، وفي الأخرى:"جُبّة"، قَالَ القاضي: رواية الجبّة بالجيم والباء؛ لأنه كَانَ ثوباً واحدًا، كما صُرّح به فِي الرواية الأخرى، والأكثرون يقولون:"الحلّة" لا تكون إلا ثوبين، يحلّ أحدهما عَلَى الآخر، فلا يصحّ الحلّة هنا. وأما منْ يقول: الحلّة ثوب واحدٌ جديدٌ، قريب العهد بحلّه منْ طيّه، فيصحّ، وَقَدْ جاء فِي "كتب السير" أنها قباء. انتهى "شرح مسلم" ١٥/ ٢٣ - ٢٤.
(فَلَبِسَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) هَذَا محلّ الترجمة، حيث إنه -صلى الله عليه وسلم- لبس الديباج المنسوج بالذهب، وأن هَذَا كَانَ قبل التحريم، وهذا رأي المصنّف رحمه الله تعالى، ولذا أورد بعده باب النسخ، حيث قَالَ:"نسخ ذلك".
لكن تقدّم أن هَذَا فيه نظر؛ لأن فِي رواية الشيخين أنه كَانَ بعد التحريم، فقد رواياه منْ طريق شيبان، عن قتادة، عن أنس بلفظ:"أهدي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبة سُندس، وكان ينهى عن الحرير … " الْحَدِيث، فإنها ظاهرة فِي كونه بعد التحريم.
والظاهر أن قوله:"فلبسه الخ" غير محفوظ، ولعلها منْ أوهام محمد بن عمرو، والله تعالى أعلم.
(ثُمَّ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَقَعَدَ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، وَنَزَلَ) يعني أنه صعد المنبر مريدًا الكلام، لكنه لم يتكلم، بل نزل عنه، ولم يُذكر سبب تركه الكلام (فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْمُسُونَهَا) بضمّ الميم، وكسرها، يقال: لمسه لَمْسًا، منْ بابي قتل، وضرب: إذا أفضى إليه بيده (بِأَيْدِيهِمْ) تعجّبًا منْ حسنها، ولينها، ونعومتها، إذ لم يسبق لهم عهد بمثلها (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- خوفًا عليهم منْ أن يميلوا بذلك إلى الدنيا، ويستحسنونها فِي طباعهم، فزهّدهم عنها، ورغّبهم فِي الآخرة، حيث قَالَ لهم:(أَتَعْجَبُونَ) بفتح الجيم، منْ باب تَعِبَ (مِنْ هَذِهِ) الجبة (لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِي الْجَنَّةِ، أَحْسَنُ مِمَّا تَرَوْنَ") أي هَذَا فِي الدنيا قد أُعدّ للبس الملوك، ومع ذلك لا يساوي مناديل سعد فِي الآخرة التي أُعدّت لإزالة الوسخ، وتنظيف الأيدي، فأيّ نسبة بين الدنيا والآخرة، فلا ينبغي للمرء الرغبة فِي الدنيا، وعن الآخرة.
قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: "المناديل" جمع مِنْدل -بكسر الميم- فِي المفرد، وهو الذي يُحمل فِي اليد. قَالَ ابن الأعرابيّ، وابن فارس، وغيرهما: هو مشتقّ منْ الندل، وهو النقل؛ لأنه يُنقل منْ واحد إلى واحد، وقيل: منْ الندل، وهو الوسخ؛ لأنه يُندل به، قَالَ أهل العربية: يقال منه: تندّلت بالمنديل. قَالَ الجوهريّ: ويقال أيضًا: تمندلت، وأنكره الكسائيّ، قَالَ: ويقال أيضًا: تمدلت. انتهى "شرح مسلم" ١٥/ ٢٣.