اعتقدوا أن النظر فِي المخلوق لا يحصل إلا بتقليب الحدقة، قالوا: هَذَا محال عَلَى الله تعالى، نعم هو محالٌ، ولكن منْ الذي قَالَ لكم: إنه لا يحصل النظر إلا بهذا؟ أليس الله تعالى مباينا لخلقه فِي ذاته وصفاته؟، فهو سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى، والصفات العُلَى، فالواجب علينا أن نعتقد أنه سبحانه وتعالى ينظر إلى عباده نظرًا حقيقيًا كما يليق بجلاله، ولا يلزمنا أن نعرف حقيقة نظره، إذ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: ١١]، فكما أننا نثبت له ذاتاً، لا تشبه ذوات مخلوقه، كذلك نثبت له ما أثبت لنفسه منْ الصفات حقيقةً، لا مجازًا؛ لأن المجاز لا يصار إليه إلا عند تعذّر الحقيقة، ولم تتعذّر هنا، وأيضًا المعنى المجازيّ الذي أولوا به يلزم منه التشبيه، فإن الرحمة هي رقة القلب، التي تقتضي العطف عَلَى المرحوم، وهذا فيه منْ التشبيه نظير ما وقع فِي معنى النظر بلا فرق، فتأمّل بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، فإنه حجة البليد، وملجأ العنيد.
وَقَالَ فِي "الفتح" أيضاً: ويؤيد ما ذُكر منْ حمل النظر عَلَى الرحمة، أو المقت ما أخرجه الطبراني، وأصله فِي أبي داود، منْ حديث أبي جُرَيّ:"أن رجلا ممن كَانَ قبلكم، لبس بردة، فتبختر فيها، فنظر الله إليه، فمقته، فأمر الأرض فأخذته … " الْحَدِيث. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي ادّعاه منْ تأييد الحمل المذكور فيه نظرٌ لا يخفى، فإنه أثبت لله سبحانه وتعالى النظر، ثم بيّن ما ترتّب عَلَى ذلك، وهو المقت، وما بعده، ولا تعرّض فيه للحمل المذكور، فتأمل بإنصاف، ولا تتحيّر بالاعتساف، والله سبحانه وتعالى الهادي إلى سواء السبيل. اللَّهم أرنا الحقّ حقًّا، وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، آمين.
وقوله:(يَوْمَ الْقِيَامَةِ) إنما خصّ يوم القيامة إشارة إلى أنه محل تمام النعم، بخلاف الدنيا، فإن نعمها مهما كثُرت تنقطع بما يتجدد منْ الحوادث. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهدا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما هَذَا متَّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه: