للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي هَذَا التقرير استدراك عَلَى منْ أجاز ذلك حين الضرورة، وليس كذلك، وإنما المراد أن هذه الصورة قد يُظَنّ أنها أخف؛ لكونها للضرورة المذكورة، لكن لعلة موجودة فيها أيضًا، وهو دال عَلَى ضعف ما أخرجه الترمذيّ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: ربما انقطع شِسْعُ نعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمشى فِي النعل الواحدة، حَتَّى يصلحها، وَقَدْ رجح البخاريّ، وغير واحد وقفه عَلَى عائشة.

وأخرج الترمذيّ بسند صحيح، عن عائشة، أنها كانت تقول لأخيفن أبا هريرة، فيمشي فِي نعل واحدة، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة موقوفًا، وكأنها لم يبلغها النهي، وقولها: "لأخيفن": معناه لأفعلن فعلا يخالفه.

وَقَدْ اختُلِف فِي ضبطه، فرُوي "لأخالفن"، وهو أوضح فِي المراد، ورُوي "لأُحَنِّثَنّ" منْ الحنث -بالمهملة والنون والمثلثة- واستُبعِد، لكن يمكن أن يكون بلغها أن أبا هريرة، حلف عَلَى كراهية ذلك، فأرادت المبالغة فِي مخالفته، ورُوي "لأُخِيفَنّ" -بكسر المعجمة، بعدها تحتانية ساكنة، ثم فاء- وهو تصحيف، وَقَدْ وُجِّهت بأن مرادها أنه إذا بلغه أنها خالفته، أمسك عن ذلك؛ خوفا منها، وهذا فِي غاية البعد، وَقَدْ كَانَ أبو هريرة، يعلم أن منْ النَّاس منْ ينكر عليه هَذَا الحكم، ففي رواية مسلم المذكورة، منْ طريق أبي رزين: "خرج إلينا أبو هريرة، فضرب بيده عَلَى جبهته، فَقَالَ: أما إنكم تَحَدَّثون أني أَكْذِب، لِتَهْتَدُوا وَأَضِلَّ، أشهد لسمعت … " فذكر الْحَدِيث.

وَقَدْ وافق أبا هريرة جابر عَلَى رفع الْحَدِيث، فأخرج مسلم منْ طريق ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرا، يقول: إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "لا يمش فِي نعل واحدة … الْحَدِيث، ومن طريق مالك، عن أبي الزبير، عن جابر: نهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يأكل الرجل بشماله، أو يمشي فِي نعل واحدة، ومن طريق أبي خيثمة، عن أبي الزبير، عن جابر رفعه: "إذا انقطع شسع أحدكم، فلا يمشي فِي نعل واحدة، حَتَّى يصلح شسعه، ولا يمشي فِي خف واحد" (١).

قَالَ ابن عبد البرّ: لم يأخذ أهل العلم برأي عائشة فِي ذلك، وَقَدْ ورد عن عليّ، وابن عمر، أيضًا أنهما فعلا ذلك، وهو إما أن يكون بلغهما النهي، فحملاه عَلَى التنزيه، أو كَانَ زمن فعلهما يسيرا، بحيث يؤمن معه المحذور، أو لم يبلغهما النهي. انتهى.

وَقَالَ عياض: رُوي عن بعض السلف فِي المشي فِي نعل واحدة، أو خف واحد أثر لم يصح، أوله تأويل فِي المشي اليسير بقدر ما يُصلح الأخرى.


(١) أخرجه المصنّف فِي "الكبرى" ٥/ ٥٠٥ رقم ٩٧٩٨.