يكون ذاكرًا لأركان اجتهاده، مائلاً إليه، فلا يحتاج إلى استئناف نظر فِي إمارة أخرى. انتهى. "المفهم" ٥/ ١٦٦ - ١٦٧.
وَقَالَ فِي "الفتح" ١٥/ ٢٥٨ بعد أن ذكر كلام القرطبيّ: ويحتمل أن تكون الفاء تفسريّة، لا تعقيبيّةً. انتهى.
(فَاجْتَهَدَ) أي بذل وسعه وطاقته فِي طلب الحقّ؛ ليبلغ مجهوده، ويَصِل إلى نهايته، والجهد بالضمّ فِي الحجاز، وبالفتح فِي غيرهم: الوسع والطاقة. وقيل: المضموم: الطاقة، والمفتوح المشقّة، والجهد بالفتح، لا غير: النهاية، والغاية، وهو مصدرٌ منْ جهد فِي الأمر جَهْدًا، منْ باب نفع: إذا طلب حَتَّى بلغ غايته فِي الطلب، وجهده الأمرُ والمرضُ جهدًا أيضًا: إذا بلغ منه المشقّة. قاله الفيّوميّ. (فَأَصَابَ) أي صادف ما فِي نفس الأمر منْ حكمِ الله تعالى، يقال: أصاب بغيته إصابةً: نالها، وأصاب السهمُ إصابةً: وصل الغرَض، وفيه لغتان أُخريان: إحداهما: صابه صوبًا، منْ باب قَالَ، والثانية: يصيبه صَيْبًا، منْ باب باع. (فَلَهُ أَجْرَانِ) أي أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة (وَإِذَا اجْتَهَدَ، فَأَخْطَأَ) أي ظنّ أن الحقّ فِي جهة، فصادف أن الذي فِي نفس الأمر بخلاف ذلك (فَلَهُ أَجْرٌ) أي أجر اجتهاده فقط. وَقَالَ القرطبيّ: قوله: "فأصاب": أي حكم، فأصاب وجه الحكم، وهو أن يحكم بالحقّ لمستحقّه فِي نفس الأمر عند الله تعالى، فهذا يكون له أجر بحسب اجتهاده، وأجر بسبب إصابة ما هو المقصود لنفسه، والخطأ الذي يناقض هَذَا هو أن يجتهد فِي حجج الخصمين، فيظنّ أن الحق لأحدهما، وذلك بحسب ما سمع منْ كلامه وحجته، فيقضي له، وليس كذلك عند الله تعالى، فهذا له أجر اجتهاده خاصّةً؛ إذ لا إصابة، وهذا المعنى هو الذي أراده النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله:"فلعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته منْ بعض، فأقضي له عَلَى حسب ما أسمع"، وفي الأخرى:"فأحسب أنه صادق، فأقضي له"، وهذا فِي الحاكم بين الخصوم واضحٌ؛ لأن هناك حقّا معيّنًا عند الله تعالى، تنازعه الخصمان؛ لأن أحد الخصمين مُبطلٌ قطعًا؛ لأنهما تقاسما الصدق والكذب، فمتى صدق أحدهما كذب الآخر، والحاكم إنما يجتهد فِي تعيين الحقّ، فقد يصيبه، وَقَدْ يُخطئه، وعلى هَذَا فلا ينبغي أن يُختَلَف هنا فِي أن المصيب واحدٌ، وأن الحق فِي طرف واحد، وإنما ينبغي أن يختصّ الخلاف بالمجتهد فِي استخراج الأحكام منْ أدلّة الشريعة؛ بناءً عَلَى الخلاف فِي أن النوازل غير المنصوص عليها، هل لله تعالى فيها أحكام معيّنة، أم لا؟، وللمسألة غور، وفيها أبحاث، استوفيناها فِي كتابنا فِي الأصول. انتهى كلام القرطبيّ "المفهم" ٥/ ١٦٧.
[تنبيه]: ذُكر لحديث الباب سببٌ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله