للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذكروه عن شعيب -عليه السلام- فلا نسلم فيه فإنه لم يثبت أنه كَانَ أعمى، ولو ثبت فيه ذلك، فلا يلزم هاهنا، فإن شعيبا عليه السلام كَانَ منْ آمن معه منْ النَّاس قليلاً، وربما لا يحتاجون إلى حكم بينهم؛ لقلتهم، وتناصفهم فلا يكون حجة فِي مسألتنا.

[الشرط الثاني]: العدالة فلا يجوز تولية فاسق، ولا منْ فيه نقص يمنع الشهادة، وحُكي عن الأصم أنه قَالَ: يجوز أن يكون القاضي فاسقا؛ لما رُوي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ: "سيكون بعدي أمراء، يؤخرون الصلاة عن أوقاتها، فصلوها لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة".

ولنا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦]، فأمر بالتبين عند قول الفاسق، ولا يجوز أن يكون الحاكم ممن لا يقبل قوله، ويجب التبين عند حكمه، ولأن الفاسق لا يجوز أن يكون شاهدا، فلئلا يكون قاضيا أولى، فأما الخبر فأخبر بوقوع كونهم أمراء، لا بمشروعيته، والنزاع فِي صحة توليته، لا فِي وجودها.

[الشرط الثالث]: أن يكون منْ أهل الاجتهاد، وبهذا قَالَ مالك، والشافعي، وبعض الحنفية، وَقَالَ بعضهم: يجوز أن يكون عاميا، فيحكم بالتقليد؛ لأن الغرض منه فصل الخصائم، فإذا أمكنه ذلك بالتقليد جاز، كما يحكم بقول المقوِّمين. ولنا قول الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩] ولم يقل بالتقليد، وَقَالَ: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النِّساء: ١٠٥]، وَقَالَ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النِّساء: ٥٩]، ورَوَى بُريدة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ: "القضاة ثلاثة: اثنان فِي النار، وواحد فِي الجنة: رجل علم الحق فقضى به فهو فِي الجنة، ورجل قضى للناس عَلَى جهل فهو فِي النار، ورجل جار فِي الحكم فهو فِي النار"، حديث صحيحٌ، رواه أبو داود، وابن ماجه، والعامي يقضي عَلَى جهل، ولأن الحكم آكد منْ الفتيا؛ لأنه فتيا وإلزام، ثم المفتي لا يجوز أن يكون عاميا مقلدا فالحكم أولى.

[فإن قيل]: فالمفتي يجوز أن يخبر بما سمع. [قلنا]: نعم إلا أنه لا يكون مفتيا فِي تلك الحال، وإنما هو مخبر، فيحتاج أن يخبر عن رجل بعينه، منْ أهل الاجتهاد، فيكون معمولا بخبره، لا بفتياه، ويخالف قول معرفته المقولين؛ لأن ذلك لا يمكن الحاكم معرفته بنفسه، بخلاف الحكم.

إذا ثبت هَذَا فمن شرط الاجتهاد معرفة ستة أشياء: الكتاب، والسنة، والإجماع، والاختلاف، والقياس، ولسان العرب:

أما الكتاب فيحتاج أن يعرف منه عشر أشياء: الخاص والعام، والمطلق والمقيد،