للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القاسم، ونقله أولى منْ نقل غيره، وقوله: بناء عَلَى أن ابن القاسم اقتصر عَلَى مالك، ولم يتفقّه بغيره، ولطول ملازمته له، فإن لم نجد لابن القاسم قولاً كَانَ قول أشهب أولى منْ قول ابن عبد الحكم؛ لأنه أخذ عن الشافعيّ، فخلّط، وهكذا، وَقَدْ بلغني أنهم كانوا بالأندلس يشترطون عَلَى القضاة فِي سجلّاتهم مراعاة ذلك الترتيب.

قَالَ القرطبيّ: وهذه رتبة لا أخسّ منها؛ إذ صاحبها معزول عن رتبة الفقهاء، ومنخرطٌ فِي زمرة الأغبياء، إذ لا يفهم معاني الأقوال، ولا يعرف فصل ما بين الحلال والحرام، فحقّ هَذَا ألا يتعاطى منصب الأحكام، فإنه منْ جملة العوامّ، والمشهور أنه لا يُستقضى مَن عرِي عن الاجتهاد المذكور، ولذلك قَالَ القاضي أبو محمد عبد الوهّاب: ولا يُستقضى إلا فقيه منْ أهل الاجتهاد، وهذا محمول عَلَى ما تقدّم. والله تعالى أعلم.

والاجتهاد المعنيّ فِي هَذَا الباب هو: بذل الوسع فِي طلب الحكم الشرعيّ فِي النوازل عَلَى ما قلناه. انتهى كلام القرطبيّ- "المفهم" ٥/ ١٦٨ - ١٦٩.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي نقله القرطبيّ عن الأندلسيين قولٌ ظاهر البطلان، كما أشار إديه القرطبيّ فِي تعقّبه المذكور، فقد أجاد، وأحسن. والله تعالى أعلم.

وَقَدْ قسم النوويّ فِي "شرح المهذب" ١/ ٧٥ - ٧٧ المفتين إلى قسمين: مستقلّ، وغير مستقلّ، ثم ذكر شرط المستقلّ، وهو المجتهد المطلق، ثم قَالَ: [القسم الثاني]: المفتي الذي ليس بمستقلّ، ومن دهر طويل عُدم المفتي المستقلّ، وصارت الفتوى إلى المنتسبين إلى المذاهب المتبوعة، وللمفتي المنتسب أربعة أحوال: [أحدها]: أن لا يكون مقلّدًا لإمامه، لا فِي المذهب، ولا فِي دليله؛ لاتصافه بصفة المستقلّ، وإنما يُنسب إليه لسلوكه طريقه فِي الاجتهاد.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: يا للعجب ما فائدة عدّ مثل هَذَا منْ المنتسبين؟، أفما يحسن أن يقال: هو مجتهد مستقلّ، له آراؤه مثل الإِمام الذي تفقّه عليه، وتخرّج منْ مدرسته، فما المانع منْ هَذَا؟ حَتَّى يقال له: إنه منتسب إلى مذهب فلان، إن هَذَا لهو العجب العجاب.

ثم قَالَ: [الحالة الثانية]: أن يكون مجتهدًا مقيّداً فِي مذهب إمامه، مستقلاّ بتقرير أصوله بالدليل، غير أنه لا يتجاوز فِي أدلّته أصول إمامه وقواعده، وشرطه كونه عالمًا بالفقه وأصوله، وأدلّة الأحكام تفصيلاً، بصيرًا بمسالك الأقيسة والمعاني، تامّ الارتياض فِي التخريج والاستنباط، قيّمًا بإلحاق ما ليس منصوصًا عليه لإمامه بأصوله، ولا يَعرَى عن شوب تقليد له، لإخلاله ببعض أدوات المستقلّ، بأن يُخلّ بالحديث، أو العربيّة،