وَقَالَ فِي "الفتح": قوله: وُكلت إليها -بضم الواو، وكسر الكاف، مخففا، ومشددًا، وسكون اللام- ومعنى المخفف: أي صرف إليها ومن وُكل إلى نفسه هلك، ومنه فِي الدعاء:"ولا تكلني إلى نفسي"، ووَكَل أمره إلى فلان: صرفه إليه، ووَكَّله بالتشديد-: استحفظه، ومعنى الْحَدِيث: أن منْ طلب الإمارة، فأُعطيها تُركت إعانته عليها، منْ أجل حرصه. (وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا) ببناء الفعلين للمفعول أيضًا: أي أعانك الله تعالى، وألهمك الحقّ، حَتَّى تسعد فِي الدنيا والآخرة.
[فإن قلت]: يعارض هَذَا فِي الظاهر ما أخرجه أبو داود، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، رفعه:"منْ طلب قضاء المسلمين حَتَّى يناله، ثم غلب عدله جوره فله الجنة، ومن غلب جوره عدله فله النار"، فكيف تجمع بينهما؟.
[قلت]: يُجمع بينهما -كما قَالَ فِي "الفتح"- بأنه لا يلزم منْ كونه لا يُعان بسبب طلبه أن لا يحصل منه العدل إذا وَلي، أو يُحمل الطلب هنا عَلَى القصد، وهناك عَلَى التولية، وَقَدْ تقدّم منْ حديث أبي موسى -رضي الله عنه-: "إنا لا نُوَلّي مَنْ حَرَص"، ولذلك عبر فِي مقابله بالإعانة، فإن منْ لم يكن له منْ الله عون عَلَى عمله، لا يكون فيه كفاية لذلك العمل، فلا ينبغي أن يجاب سؤاله، ومن المعلوم أن كل ولاية لا تخلو منْ المشقة، فمن لم يكن له منْ الله إعانة، تَوَرّط فيما دخل فيه، وخسر دنياه وعقباه، فمن كَانَ ذا عقل لم يتعرض للطلب أصلا، بل إذا كَانَ كافيا، وأعطيها منْ غير مسألة فقد وعده الصادق بالإعانة، ولا يخفى ما فِي ذلك منْ الفضل. قَالَ المهلب: جاء تفسير الإعانة عليها فِي حديث بلال بن مرداس، عن خيثمة، عن أنس -رضي الله عنه-، رفعه:"منْ طلب القضاء، واستعان عليه بالشفعاء، وُكِل إلى نفسه، ومن أُكره عليه أَنزل الله عليه ملكا يُسَدِّدُه"، أخرجه ابن المنذر، وكذا أخرجه الترمذيّ منْ طريق أبي عوانة، عن عبد الأعلى الثعلبي، وأخرجه هو وأبو داود، وابن ماجه، منْ طريق أبي عوانة، ومن طريق إسرائيل، عن عبد الأعلى، فأسقط خيثمة منْ السند، قَالَ الترمذيّ: ورواية أبي عوانة أصح، وَقَالَ فِي رواية أبي عوانة: حديث حسن غريب، وأخرجه الحاكم منْ طريق إسرائيل، وصححه، وتُعقب بأن ابن معين لَيّن خيثمة، وضعف عبد الأعلى، وكذا قَالَ الجمهور فِي عبد الأعلى: ليس بقوي.
قَالَ المهلب: وفي معنى الإكراه عليه أن يُدعَى إليه، فلا يرى نفسه أهلا لذلك؛ هيبة له، وخوفا منْ الوقوع فِي المحذور، فإنه يعان عليه، إذا دخل فيه، ويُسَدَّد، والأصل فيه أن منْ تواضع لله رفعه الله. وَقَالَ ابن التين: هو محمول عَلَى الغالب، وإلا فقد قَالَ يوسف -عليه السلام-: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ}[يوسف: ٥٥]، وَقَالَ سليمان -عليه السلام-: