(إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) أي إلى ما لا تشكّ فيه، وفيه أن منْ اجتهد، ثم وقع له شكّ، فالأولى له أن يتركه، ويتمسّك بالبراء الأصليّة.
وحاصل ما أشار إليه ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه يجب عَلَى العالم إذا سئل أن يبحث أوّلا فِي النصوص، فإذا لم يجد نصّا، بحث عما اتفق عليه السلف الصالحون، فإذا لم يجد ذلك اجتهد، ولا يتعلّل بالخوف منْ خطر الاجتهاد؛ لأن أمور الشرع واضحة، لا لبس فيها، فقد بيّن الله سبحانه وتعالى، فِي كتابه، أو عَلَى لسان نبيّه -صلى الله عليه وسلم- الحلال، والحرام، فيمكن المجتهد الوصول إلى الحقّ بإمعان النظر فِي ذلك، فإن اتّفق له اشتباه فِي بعض الأمور، فليترك ما اشتبه عليه، وليأخذ ما استبان منه، وذلك بالتمسّك بالبراءة الأصليّة.
وهذا الأثر بمعنى الْحَدِيث المرفوع المتّفق عليه:"إن الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات … " الْحَدِيث. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- هَذَا موقوف صحيح.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -١١/ ٥٣٩٩ و٥٤٠٠ - وأخرجه (الدارميّ) فِي "المقدّمة" ١٦٥. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان وجوب الحكم باتّفاق أهل العلم، ولا خلاف فِي ذلك بين أهل العلم، بل قالوا بكفر جاحده، إن كَانَ معلومًا منْ الدين بالضرورة، بأن عرفه الخاصّ والعامّ منْ غير قبول للتشكيك، فيلحق فِي ذلك بالضروريات، كوجوب الصلوات الخمس، والصوم، وحرمة الزنا، والخمر، فإن لم يبلغ رتبة الضروري، ولكنه مشتهر بين النَّاس، وهو منصوص عليه، كحلّ البيع، كفر جاحده فِي الأصحّ، وقيل: لا، لجواز أن يخفى عليه، فإن لم يكن منصوصًا عليه، ففيه وجهان لأصحاب الشافعيّ، قيل: يكفر جاحده؛ لشهرته، وصححه النوويّ فِي "باب الرّدّة". وقيل: لا؛ لجواز أن يخفى عليه، وَقَدْ حكاه الرافعيّ عن استحسان الإِمام، وأنه قَالَ: كيف نُكفّر منْ خالف الإجماع، ونحن لا نكفّر منْ ردّ أصل الإجماع، وإنما نبدّعه، ونضلّله، ثم أول كلام الأصحاب عَلَى ما إذا صدّق المجمعين عَلَى أن التحريم ثبت فِي