للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بأنهما كانا اثنين، فِي رواية عبد الله بن رافع، عن أم سلمة، عند أبي داود، ولفظه: "أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان يختصمان"، وأما الخصومة، فبين فِي رواية عبد الله بن رافع، أنها كانت "فِي مواريث لهما"، وفي لفظ عنده: "فِي مواريث، وأشياء قد دَرَست". وقوله: "بباب حجرته" فِي رواية شعيب، ويونس عند مسلم: "عند بابه"، والحجرة المذكورة: هي منزل أم سلمة، ووقع عند مسلم فِي رواية معمر: "بباب أم سلمة". قاله فِي "الفتح" ١٥/ ٧٩.

(وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ) "البشر": الخلق، يُطلق عَلَى الجماعة والواحد، بمعنى أنه منهم، والمراد أنه مشارك للبشر فِي أصل الخلقة، ولو زاد عليهم بالمزايا التي اختصّ بها فِي ذاته، وصفاته، والحصر هنا مجازي؛ لأنه يختص بالعلم الباطن، ويسمى قصر قلب؛ لأنه أتى به ردًّا عَلَى منْ زعم أنّ منْ كَانَ رسولاً، فإنه يعلم كل غيب، حَتَّى لا يخفى عليه المظلوم. قاله فِي "الفتح" ١٥/ ٧٩.

وَقَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما أنا بشرٌ": تنبيه عَلَى أن أصل البشرية عدم العلم بالغيب، وبما يخفى منْ البواطن، إلا منْ أطلعه الله تعالى عَلَى شيء منْ ذلك، وعلى جواز الغلط والسهو عليهم، إلا منْ عصمه الله تعالى منْ ذلك، وَقَدْ كَانَ الله تعالى قادرًا أن يُطلع نبيّه -صلى الله عليه وسلم- عَلَى بواطن كلّ منْ يتخاصم إليه، فيحكم بخفيّ ذلك، ويُخبر به، كما اتّفق له فِي مواضع، كقصّة حاطب بن أبي بلتعة، وحديث فَضالة بن عُمير، وذلك أنه أراد قتل النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهو يطوف بالبيت، قَالَ: فلما دنوت منه، قَالَ: "أفضالةُ؟ "، قلت: نعم، قَالَ: "ما كنت تحدّث به نفسك؟ "، قلت: لا شيء، فضحك، وأخبرني بذلك، واستغفر لي، ووضع يده عَلَى صدري، فسكن قلبي (١). وغير ذلك منْ الوقائع التي أخبر بها، فوُجدت كما أخبر، وكما اتّفق ذلك للخضر -عليه السلام- فِي قصّة السفينة، والغلام، والجدار، لكن إنما كَانَ ذلك للأنبياء منْ جملة كراماتهم، ومعجزاتهم، ولم يجعل الله ذلك طريقًا عامّا, ولا قاعدة كلّيّةً، لا لهم، ولا لغيرهم؛ لاستمرار العادة بأنّ ذلك لا يقع منْ غير الأنبياء (٢)، ولأن وقوع ذلك منْ الأنبياء نادرٌ (٣)، وتلك سنّة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.


(١) ذكره ابن هشام فِي "السيرة" ٢/ ٤١٧ وابن كثير فِي "البداية والنهاية" ٤/ ٣٠٨.
(٢) هَذَا غير مسلّم، فإنه يقع لغير الأنبياء منْ الصالحين؛ كرامة لهم، كما هو مسطور فِي كتب السنّة، فإنها طافحة بذلك، فتنبّه.
(٣) فيه نظر، فإنه وقوع المعجزات للأنبياء عليهم السلام ليس منْ النوادر، بل هو أكثر منْ أن يُحصر، فتنبّه.