أثر لشيء منْ ذلك فِي الترجيح، قَالَ: وهذا مما يكاد يُقطع بفساده، قَالَ: والذي ينبغي أن يقال: إن داود عليه السلام قضى به للكبرى؛ لسبب اقتضى به عنده ترجيح قولها؛ إذ لا بينة لواحدة منهما، وكونه لم يعين فِي الْحَدِيث اختصارًا لا يلزم منه عدم وقوعه، فيحتمل أن يقال: إن الولد الباقي كَانَ فِي يد الكبرى, وعجزت الأخرى عن إقامة البينة، قَالَ: وهذا تأويل حسن، جار عَلَى القواعد الشرعية، وليس فِي السياق ما يأباه، ولا يمنعه.
[فإن قيل]: فكيف ساغ لسليمان -عليه السلام- نقض حكمه. [فالجواب]: أنه لم يعمد إلى نقض الحكم، وإنما احتال بحيلة لطيفة، أظهرت ما فِي نفس الأمر، وذلك أنهما لما أخبرتا سليمان بالقصة، فدعا بالسكين ليشقه بينهما, ولم يعزم عَلَى ذلك فِي الباطن، وإنما أراد استكشاف الأمر، فحصل مقصوده لذلك لجزع الصغرى الدالّ عَلَى عظيم الشفقة، ولم يلتفت إلى أقرارها بقولها: هو ابن الكبرى؛ لأنه علم أنها آثرت حياته، فظهر له منْ قرينة شفقة الصغرى، وعدمها فِي الكبرى, مع ما انضاف إلى ذلك منْ القرينة، الدالة عَلَى صدقها ما هجم به عَلَى الحكم للصغرى، ويحتمل أن يكون سليمان عليه السلام ممن يسوغ له أن يحكم بعلمه، أو تكون الكبرى فِي تلك الحالة، اعترفت بالحق، لَمّا رأت منْ سليمان -عليه السلام- الجد والعزم فِي ذلك.
ونظير هذه القصة: ما لو حكم حاكم عَلَى مُدَّع منكر بيمين، فلما مضى لِيُحَلِّفه حضر منْ استخرج منْ المنكر ما اقتضى إقراره، بما أراد أن يحلف عَلَى جحده، فإنه والحالة هذه يحكم عليه بإقراره، سواء كَانَ ذلك قبل اليمين أو بعدها, ولا يكون ذلك منْ نقض الحكم الأول، ولكن منْ باب تبدل الأحكام بتبدل الأسباب. انتهى "المفهم" ٥/ ١٧٥ - ١٧٦. بتصرّف.
وَقَالَ ابن الجوزي استنبط سليمان -عليه السلام- لَمّا رأى الأمر محتملا، فأجاد، وكلاهما حكم بالاجتهاد؛ لأنه لو كَانَ داود حكم بالنص، لما ساغ لسليمان أن يحكم بخلافه. قاله فِي "الفتح" ٧/ ١٣٢ - ١٣٣ "كتاب أحاديث الأنبياء" رقم ٣٤٢٧.
(فَخَرَجَتَا إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ) عليهما الصلاة والسلام (فَأَخْبَرَتَاهُ) بالقصّة، وبما قضى به أبوه داود -عليه السلام-، وفي رواية ابن عجلان: فمرّتا عَلَى سليمان، فَقَالَ: كيف أمرُكما، فقصّتا عليه"، وفي رواية مسكين، عن شعيب: "فمرّتا عَلَى سليمان -عليه السلام-، فَقَالَ: كيف قضى بينهما؟ " (فَقَالَ) سليمان -عليه السلام- (ائْتُونِي بِالسَّكَّينِ) بكسر السين المهملة، وتشديد الكاف-: الْمُدْيَة، سُمّي بذلك لأنه يُسكّن حركة المذبوح، وحكى ابن الأنباريّ فيه التذكير والتأنيث، وَقَالَ السجِستانيّ: سألت أبا زيد الأنصاريّ،