ابن أبي حاتم، منْ طريق سعيد بن عبد العزيز، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، فِي قوله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية [النِّساء: ٦٥]، قَالَ:"نزلت فِي الزبير بن العوّام، وحاطب بن أبي بلتعة، اختصما فِي ماء … " الْحَدِيث، وإسناده قوي مع إرساله، فإن كَانَ سعيد بن المسيب سمعه منْ الزبير، فيكون موصولاً، وعلى هَذَا فيؤول قوله:"منْ الأنصار" عَلَى إرادة المعنى الأعم، كما وقع ذلك فِي حق غير واحد، كعبد الله بن حذافة. وأما قول الكرماني بأن حاطبا كَانَ حليفا للأنصار، ففيه نظر. وأما قوله:"منْ بني أمية بن زيد" فلعله كَانَ مسكنه هناك كعمر، كما تقدّم. وذكر الثعلبي بغير سند أن الزبير وحاطبا لَمّا خرجا مَرّا بالمقداد قَالَ: لمن كَانَ القضاء؟ فَقَالَ حاطب: قضى لابن عمته، ولوى شدقه، ففطن له يهودي، فَقَالَ: قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله، ويتهمونه، وفي صحة هَذَا نظر، ويترشح بأن حاطبا كَانَ حليفا لآل الزبير بن العوام منْ بني أسد، وكأنه كَانَ مجاورا للزبير. والله أعلم. وأما قول الداودي، وأبي إسحاق الزجاج، وغيرهما: إن خصم الزبير كَانَ منافقا، فقد وجهه القرطبيّ بأن قول منْ قَالَ: إنه كَانَ منْ الأنصار، يعني نسبا لا دينا، قَالَ: وهذا هو الظاهر منْ حاله، ويحتمل أنه لم يكن منافقا, ولكن أصدر ذلك منه بادرة النفس كما وقع لغيره ممن صحت توبته، وقوّى هَذَا شارح "المصابيح" التوربشتي، ووَهّى ما عداه، وَقَالَ: لم تجر عادة السلف بوصف المنافقين بصفة النصرة، التي هي المدح، ولو شاركهم فِي النسب، قَالَ: بل هي زلة منْ الشيطان تمكن به منها عند الغضب، وليس ذلك بمستنكر منْ غير المعصوم، فِي تلك الحالة. انتهى. وَقَدْ قَالَ الداودي بعد جزمه بأنه كَانَ منافقا: وقيل: كَانَ بدريا، فإن صح فقد وقع ذلك قبل شهودها؛ لانتفاء النفاق عمن شهدها. انتهى. وَقَدْ عرفت أنه لا ملازمة بين صدور هذه القضية منه، وبين النفاق. وَقَالَ ابن التين: إن كَانَ بدريا فمعنى قوله: {لَا يُؤْمِنُونَ}[النِّساء: ٦٥] لا يستكملون الإيمان. والله أعلم. قاله فِي "الفتح" ٥/ ٣٠٨ - ٣٠٩.
وَقَالَ القرطبيّ: قيل: إن هَذَا الرجل كَانَ منْ الأنصار نسبًا، ولم يكن منهم نصرة ودينًا، بل كَانَ منافقًا؛ لِمَا صدر عنه منْ تهمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجور فِي الأحكام لأجل قرابته، ولأنه لم يرض بحكمه، ولأن الله تعالى قد أنزل فيه:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية [النِّساء: ٦٥] هَذَا هو الظاهر منْ حاله. ويحتمل أنه لم يكن منافقًا, ولكن أصدر منه ذلك بادرة نفس، وزلّة شيطان، كما قد اتّفق لحاطب بن أبي بَلْتعة، ولحسّان، ومِسطَح، وحمنة فِي قضيّة الإفك، وغيرهم ممن